قتلت وثيقة السلمى بحثًا ونقدًا، فهى محاولة بائسة فى غير زمانها وسياقها، ومنحازة للجيش، لكن طرحها والمواقف المعلنة منها كشف أن أزمة المرحلة الانتقالية تتلخص فى غياب الثقة بين كل أطراف العمل السياسى، بما فيها المجلس العسكرى، فقد عكست المواد المتعلقة بالجيش فى وثيقة السلمى مدى قلقه وارتيابه فى إمكانية نجاح التيار الإسلامى فى الانتخابات وانفراده بكتابه الدستور. ولا شك إن القوى المدنية والأقباط يشاركون المجلس القلق نفسه.
هناك إذن مخاوف من أن تكون الانتخابات القادمة هى الأخيرة، وأن يغير الإسلاميون من الطابع المدنى للدولة، ومعروف أن هذه المخاوف كانت وراء انقسام واستقطاب النخبة منذ الاستفتاء على تعديلات الدستور وفى كثير من المواقف. لكن لا أحد فكر خارج الصندوق وتوقع - وهو احتمال قائم - ألا يفوز الإسلاميون بالأغلبية!!
عموما المشكلة أن السلفيين تبرعوا بتصريحات أثارت مخاوف القوى المدنية، بينما قدم الإخوان تطمينات لكنها غير كافية فى ظل غياب الثقة والتشكيك المتبادل فى مواقف بل ونوايا كل الأطراف، بما فى ذلك اتهام المجلس بالسعى لعسكرة الدولة، ومحاولة فرض وثيقة السلمى بشكل فوقى ومتعجل. من هنا أقترح سرعة اتخاذ إجراءات لبناء الثقة بين جميع الأطراف - بغض النظر عمن سيفوز - والتى كانت أحد أسباب وحدة كل القوى الوطنية ونجاحها فى الإطاحة بمبارك وأسرته، وهذه الثقة هى عماد رأس المال الاجتماعى وتتطلب ببساطة أن يثق أصحاب المواقف المختلفة فى بعضهم، وأن يعملوا معًا من أجل هدف مشترك مفيد للجميع مع الإقرار بوجود خلافات بينهم.
وأهم إجراءات الثقة المطلوبة أن تتوافق الأحزاب السياسية وائتلافات الثورة والحكومة على اختيار عدد محدود من الشخصيات العامة المستقلة عن الأحزاب، يتولون فى أسرع وقت ممكن تأسيس لجنة وطنية دائمة للحوار المجتمعى، مع وضع جدول أعمال بأولويات واضحة فى مقدمتها ضمانات الحفاظ على الطابع المدنى والحريات العامة، والتأكيد على الهوية الإسلامية للدولة. ويمكن للجنة الوطنية للحوار أن تشرك كل الأطراف فى مناقشة وثيقة السلمى أو غيرها من الوثائق والمقترحات، ولكن من دون تجاهل أو حتى التحايل على التعديلات الدستورية التى أقرها الشعب فى الاستفتاء، وفى مقدمتها حق البرلمان المنتحب بغرفتيه فى اختيار لجنة من مائه شخص لكتابة الدستور.
أعتقد أن اللجنة الشعبية غير الحكومية المقترحة ستكون قادرة على التوصل لتوافق ملزم بين كل أطراف العمل السياسى حول مبادئ الدستور الجديد، ليأتى الدستور منسجمًا مع مدنية الدولة والمساواة القانونية بين كل المواطنين، مع التمسك بالمادة الثانية من الدستور، وإقرار حق الأقباط فى الاحتكام لشرائعهم فى أحوالهم الشخصية وشؤونهم الدينية. ووضع ضمانات لحق البرلمان فى مناقشة ميزانية الجيش، مع الاحتفاظ بسرية البيانات لدواعٍ أمنية على غرار ما يجرى العمل به فى الدول الديمقراطية.
ولا شك أن المهمة صعبة، فقد أضاع المجلس العسكرى والحكومة كثيرا من الوقت، ولم يعتمدا على آلية مؤسسية مستقرة، مستقلة للحوار - كما حدث فى تجارب دول عديدة للتحول الديمقراطى - مما أوقعنا فى كثير من المشاكل والأزمات، لكن هناك فرصة أخيرة لابد من استغلالها، وأن نبدأ بها على الفور وبالتوازى مع سير الانتخابات، وبحيث نحقق هذا التوافق قبل مارس القادم، وهى - بإذن الله- مهمة ليست مستحيلة.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
mohamed al said
لا حياة لما تنادي
عدد الردود 0
بواسطة:
سيد عويس سيد
lمصر
عدد الردود 0
بواسطة:
اسلام محمد
مستحيل
ما تتمناه او ما تطلبه من المستحيل
عدد الردود 0
بواسطة:
اسامة
بعد قراءة هذه الايات من رب العالمين تقول .. افصل الدين عن السياسة (( امانة اقرأها كلها ))
عدد الردود 0
بواسطة:
م/امين الزلباني
لاتقل لي