«حزب ديمقراطى أكثر بياضًا.. حزبنا دستورى بكل الألوان، حزب المواطنين الحلوين معك من أجل المستقبل، الحزب الفلانى يقدم حلولاً ويصلح أنظمة سياسية».. نحن فى عصر المعلومات وأيضًا عصر الإعلانات، ولعبة السياسة فى مصر أصبحت صراعًا إعلانيّا أكثر منه سياسيّا. بين القادرين على لفت الأنظار، وبين العاجزين عن ذلك.
ومع دخول موسم الانتخابات أصبحت الأحزاب تسعى لاحتلال جزء من مساحات الشيبسى والمشروبات الغازية والمنظفات والزيت وأجهزة المحمول والدقائق المجانية. وضاعفت أحزاب الوفد والحرية والعدالة والمصريين الأحرار والمحافظين وغيرها من تواجدها الإعلانى.
وأصبحت تتنافس على الفواصل الإعلانية بين البرامج والأفلام والمسلسلات.. وأصبحنا أمام إعلانات سياسية تزاحم البطاطس والمنظفات والموبايلات والسيارات على أوقات الذروة، تجد إعلانًا لحزب ليبرالى بالتبادل مع إعلان لأكياس بطاطس «قرمش وازدنهش»، أو حزب إسلامى بالتبادل مع زجاجة منظف يقضى على الدهون. أو حزب يمينى أو يسارى بالتبادل مع دقائق مجانية أو زجاجة زيت.
كل الأحزاب فى إعلاناتها ترفع شعارات عميقة وقوية، كلها تقول للمواطن إنها الأفضل، وتقدم له الوعود بالبرامج الاجتماعية والوظائف والتأمينات والعلاج والتعليم، وأغلبها أحزاب حديثة ليس لها ماضٍ والأحزاب التى لها ماضٍ تفتش فى تاريخها القديم، ووجوه زعماء مثل سعد زغلول أو مصطفى النحاس لتقدم نفسها للمستقبل. وهو أمر قد يدفع للتساؤل: ألا تجد هذه الأحزاب فى ماضيها القريب ما يجعلها قادرة على تقديم شىء للحاضر؟ الإجابة غالبًا أن الصراع السياسى الحالى أغلبه يدور حول الماضى، وأقله يهتم بالمستقبل. وأكبر ترجمة لهذا الشعار يجسدها إعلان الوفد «مستقبل له ماضى».
ولا مانع أبدًا من أن تسعى الأحزاب إلى ترويج نفسها للمواطنين، لكن عليها أن تدرك الفرق بين البحث عن مواطن وناخب وعضو، وبين البحث عن مستهلك أو زبون، ثم إن الاعتماد على الإعلانات التليفزيونية والصحفية فقط لا يمكن أن يكون بديلاً عن نزول الأحزاب للناس فى الشارع ومواجهة الواقع. وأن يسعوا لإعادة إقناع المواطنين بجدوى الأحزاب، بعد سنوات فقدوا خلالها الثقة فى الأحزاب والسياسيين، وليس فقط الحزب الوطنى المنحل. فقد كانت الأحزاب تشارك الحزب الحاكم عملية خداع الناس وتغييب الوعى.
المواطن يحسم أموره ويسعى لشراء السلع التى تكون إعلاناتها أخف دمًا أو قدرة على الإقناع، والتى تعده بالتوفير. لكن إعلانات الأحزاب حتى الآن تفتقد إلى الجاذبية والحماس، وتبدو إعلانات انتخابية أكثر منها إعلانات تبحث عن جذب أعضاء جدد أو تقديم ما يغرى الشباب أو المواطنين بالانخراط فى الحياة السياسية ولا أحد يطالب بأن تكون إعلانات الأحزاب صورة من إعلانات المقرمشات والمشروبات وعليها أن تتجاوز الحديث عن الماضى إلى المستقبل. وأن تفرق بين المواطن والزبون، حتى يمكن للمواطن الاختيار بين الحزب والبطاطس. وبين منظفات إزالة الدهون وأحزاب برائحة الزبدة الفلاحى.