هناك فجوة واسعة بين الثورة والدولة، فالثوار يريدون أن تكون الانتخابات البرلمانية محصنة فى مواجهة فلول الحزب الوطنى الذى أفسد الحياة السياسية، بينما الدولة تريد لهؤلاء الفلول أن يخوضوا العملية الانتخابية، وكان الثوار قد استبشروا خيرًا حين حكمت محكمة المنصورة بمنع فلول الحزب الوطنى من تلويث أول انتخابات لبرلمان الثورة، بيد أن استبشارهم سرعان ما تحول إلى تأكيد الفجوة بين الدولة والثورة، وذلك حين حكمت المحكمة الإدارية العليا لهم باقتحام الانتخابات.
وثيقة السلمى.. الثوار لا يريدون أن تكون هناك قيود مسبقة على البرلمان القادم فيما يتعلق بوضع الدستور واختيار الهيئة المؤسِّسة له «بكسر السين»، كما لا يريد الثوار أن يكون هناك تمييز لأى هيئة فى النظام السياسى، بحيث تبدو فوق المؤسسات الأخرى، أو أعلى منها، حتى لو كانت الجيش، ومن ثم فهم يريدون أن تكون كل ميزانيات مؤسسات الدولة وحركة أموالها معروفة لدى نواب البرلمان القادم، صحيح أن هناك بعض الأمور التى تفترض السرية فيما يتعلق بالجيش، ولكن لابد من معرفتها للجان داخل البرلمان، وهى لجان الأمن القومى، لا يريد الثوار أن يكون هناك مجلس للدفاع الوطنى، هذا المجلس تكون مهمته معرفة موازنة الجيش والاشتراك فى قرار الحرب.
الثوار يعبرون عن المجتمع، ومن ثم فحين نقول فجوة بين الثوار والدولة فإننا نقصد فجوة بين الدولة والمجتمع، وهذه إحدى أكبر المشاكل التى تعنى أن هناك مشكلة شرعية تواجه الحكومة الانتقالية والمجلس العسكرى، فبقدر ما يكونان معبرين عن المجتمع تكون شرعيتهما، وبقدر ما يكونان مثيرين للتخوف والقلق نكون بإزاء أزمة شرعية، وهو ما جعل الثوار يطرحون سؤال الشرعية، والتى يبدو أن المجتمع لم يعد يشعر بأن ما يريده يتحقق.
لا يشعر الثوار بأن هناك تواصلاً بين الحكام وبين الشارع، فالجيش يخاطب الأمة والمجتمع والثوار عبر موقعه على الفيس بوك، والشرطة لا وجود لها فى ظل عودة العنف الاجتماعى فى الصعيد والدلتا بقوة وبقدر يزداد كلما اقتربت الانتخابات البرلمانية، وهو ما يشيع أقوالاً على نطاق واسع تتحدث عن أن هناك خطرًا على اليوم الأول للانتخابات البرلمانية، وأن ذلك الخطر هناك يد تخطط له.
لا يريد الثوار للبرلمان القادم أن يكون مجرد عودة لبرلمان نظام استبداد مبارك، هم يريدون برلمانًا حقيقيّا يراقب بجد ويشرع حقيقة ويضع الميزانية كما يجب فى صالح المجتمع والثورة، ومن ثم فهم يريدون لهذا البرلمان أن يشكل الحكومة، ولا تكون هناك قوة ذات طابع عسكرى هى التى تقوم بتشكيلها باعتبارها وريثة لسلطات مبارك.
يريد الثوار من أجل ذلك أن يعلن الجيش بوضوح لا لبس فيه مواعيد لانتخابات رئاسة الجمهورية، وأن يكون ذلك فى أبريل القادم، بينما يتحدث الجيش عن مواعيد لعام 2013 والخوف أن البقاء الطويل فى السلطة يغرى بالاستمرار فيها.
لم يعد المجتمع يثق فيمن يحكمونه الآن، ولعودة الثقة بين الثوار وهيئات الحكم فى مصر لابد من التحلى بالشجاعة والوضوح وإعلان سحب وثيقة السلمى من جانب الحكومة، وإعلان مواعيد واضحة ومحددة لانتخابات الرئاسة ونقل السلطة كاملة لهيئات منتخبة، بما فى ذلك الرئيس، وعودة الجيش إلى ثكناته عزيزًا كريمًا بعيدًا عن مكر السياسة وغدرها وتلونها، وهو ما يجعلنا نكسب نظامًا سياسيّا منتخبًا بشكل كامل ولأول مرة بعد ثورة يوليو، ونكسب فى نفس الوقت جيشًا محترمًا يحافظ على تقاليده الأصيلة فى البعد عن السياسة والتفرغ للحفاظ على حدود البلد وأمنها القومى.