من المنصورة إلى الدقى رحلة لا تستغرق أكثر من 3 ساعات فى المواصلات العامة وقت الذروة، فهى مسافة يقطعها المسافر فى مدة زمنية قليلة ولكن الفاصل التاريخى بينهما كبير ويعجز الإنسان عن استيعاب أحداثه فى نفس مدة السفر، ولكنه قد يحتاج إلى سنوات لإدراك معانى وفحوى تلك الأحداث.
فمن المنصورة خرج حكم إدارى بحرمان المنتمين للحزب الوطنى المنحل من الترشح لانتخابات المجالس النيابية "الشعب والشورى"، وهو حكم اعتبره الأنصار تاريخيا ونظر إليه الخصوم على أنه مخالف للمبادئ الدستورية التى استقر عليها الشعب ووافق عليها فى استفتاء مارس الماضى.
وإلى الدقى حيث مجلس الدولة اتجه المتضررون من القرار بالطعن، وصدر قرار بإلغاء الحرمان وأعطاهم حق الاستمرار فى الترشح للانتخابات.
وبعيدا عن الإجراءات المتبعة بعد هاتين الخطوتين وما يمكن أن يتم اتخاذه من إجراءات طعن جديدة، فإن أمورا تستدعى التوقف أمامها بالبحث وهى قضية الفعل ورد الفعل من جانب الفصائل المتناحرة على الساحة السياسية والتى اعتبرت نفسها الحكم والخصم فى ذات الوقت، متجاهلين صاحب القرار الأول والأخير وهو الإرادة الشعبية التى يمثلها صندوق الانتخابات.
ففى المنصورة قام فريق بالاعتراض على ترشيح من يرونهم بأنهم من الفلول الذين أفسدوا الحياة السياسية بانتمائهم إلى الحزب الحاكم الذى كان يقوده الرئيس السابق مبارك، وحصلوا على قرار إدارى لصالحهم، ولم يكتفوا بذلك بل أرادوا تعميمه وإلزام اللجنة العليا للانتخابات به حتى قبل وصوله إليها.
وقد فتح القرار شهية الأنصار لمزيد من الدعاوى فى أكثر من محافظة تيمنا بقرار المنصورة، وذلك فى محاولة لخلق قانون جديد بديل لقانون العزل السياسى الذى تطالب به القوى السياسية ولم يخرج للنور حتى الآن.
ولم يعجب القرار من يرون فى أنفسهم أنهم غير مسئولين عن إفساد الحياة السياسية وأنهم مواطنون لهم الحق فى الممارسة السياسية شأنهم شأن أى مواطن ووفقا للمبادئ الدستورية، وقد حصلوا أيضا على قرار لصالحهم واعتبروه إنصافا للقانون الذى استند إلى المبادئ الدستورية.
الأمر إذًا ليس قضية قانون يتم الاستناد إليه وإنما المسألة تدخل فى إطار الرؤية الشخصية لمن ينظر القضية، والدليل أن كلا القرارين صدر مستندا لأسباب متباينة وكلاهما صواب من وجهة نظر القانون الإدارى مما يدل على أن هناك أكثر من سند فى إصدار القرارات ونحن هنا لا نعترض على أحكام القضاء، فلسنا بصدد قانون للإجراءات الجنائية وإنما أمام قانون إدارى يستند إلى قوانين ولوائح إدارية.
وبعيدا عن الخوض فى النواحى القانونية فإن الإصرار على حرمان الفلول من الترشح للانتخابات إنما يعنى مصادرة للإرادة الشعبية وحجرا على رأى الأغلبية الصامتة التى لا تعرف من وسائل التعبير عن الرأى سوى الأمل فى المستقبل والاحتكام إلى صندوق الانتخابات الزجاجى.
ما يحدث - فى تصورى- ليس محاولة لحرمان الفلول من الترشح وإنما من الإصلاح والتهذيب الحقيقى، فأحداث يناير وما تبعها من فعاليات سياسية تؤكد أن الشعب لم يعد يقبل بأى شخص أو أى حل وإنما أصبحت لديه الإرادة الحرة فى الاختيار الذى يتوافق مع مصالحه أولا ومصالح بلادى مصر ثانيا، ولم يعد الشعب المصرى فى حاجة إلى وصى على قراراته من جانب أى تيار سياسى أو فصيل دينى كى يتحدث باسمه.
وعلى ذلك فإن دمج الفلول فى المجتمع سوف يؤهلهم ويصلحهم ويكفر عن خطاياهم التى ارتبكوها بحق الشعب، وذلك عندما يجدوا أنفسهم فى مواجهة مباشرة معه دون ضغط عليه أو تزييف لإرادته، فإذا كنا نريد بالفلول خيرا فلندمجهم فى المجتمع الذى ينظر إليهم على أنهم معاقون سياسيا، ومن ثم إما يعطيهم الفرصة للإصلاح والتهذيب وإما يلفظهم للأبد.
كما قلت فى البداية إن الفاصل التاريخى بين المنصورة والدقى واسع، ويحتاج لسنوات كى يتم استيعاب أحداثه، بما يعنى أن إصلاح وتهذيب الفلول لن يتم فى ساعات وإنما فى مدة قد تمتد لسنوات حتى يمكن تنقيتهم وإصلاحهم وجعلهم أداة فاعلة فى المجتمع، فإذا كانوا تعودوا على خداع الشعب ثلاثة عقود من الزمان قادهم خلالها نظام سياسى عنيد فإننا نحتاج إلى سنوات طويلة نؤهلهم فيها لنظام ديمقراطى وليد.
ولتكف القوى السياسية وتيارات الإسلام السياسى عن الحديث باسم الشعب وأن تتحدث عن نفسها وتتصرف فى إطار أهوائها وأهدافها دون أن تفرض رأيها على المواطنين وتتصرف من موقع المسئول عن العامة، فكثير من تلك التيارات والفصائل مازالت تحبو فى الحياة السياسية ولم تقف بعد على قدميها أو تخطو خطوة ثابتة نحو الإصلاح السياسى الذى يجب أن يبدأ من الدخل فعليهم أنفسهم ولا يجب أن يضيروا غيرهم.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
سامح غانم - تحيا مصــــــــــــــر
دمج ايه يا ابني روح اتمشى
عدد الردود 0
بواسطة:
طير انت
تهذيب واصلاح
عدد الردود 0
بواسطة:
السيد الشرقاوي
حرام عليك يابشير