د. بليغ حمدى

هنا الانتخابات

السبت، 19 نوفمبر 2011 10:43 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا تفكر أن تنام كثيراً أو طويلاً، لأنك ما سوف تراه فى نومك هو ما يحدث طوال نهارك وعرض ليلك أيضاً، فإذا فكرت أن تخرج إلى الشارع فسترى بالتأكيد لافتات ولوحات متباينة الشكل واللون والصناعة أيضاً للمرشحين الذين يطمحون فى الجلوس على مقاعد برلمان الثورة، هذا البرلمان الذى ينتظره العديد من الملفات الشائكة التى لا تنفع معها حذاء النائب، ولا تصلح معها إشارات اليد وعبارات اللسان التى اعتاد المواطن عليها فى برلمانات الرئيس المخلوع ورجالاته السابقين.

وإذا جلست فى شرفة منزلك فإنك ستسمع عبر الميكروفونات أصوات المرشحين وهم يدججون أيديولوجيات وفلسفات ويدلون بآراء سياسية وكأنهم يقرأون من إحدى الموسوعات السياسية أو يسردون سطوراً من موسوعة ويكيبيديا السياسية.

فبالطبع إذا حاولت النوم فإن صورة بعض المرشحين الذين التقطتهم عدسة عينيك ستراودك بالمشاهدة والتأمل غصباً عنك، ولكن يبقى السؤال المحموم جالساً كالكاتب المصرى القديم متحفزاً لسماع إجابة له: هل أيضاً أنت فى اهتمامات هؤلاء المرشحين؟

فمعظم المرشحين ينحون مناحى شتى متفرقة، فهذا تحركه تياراته الدينية التى تتسيد على ترشحه البرلمانى، وذلك يعلى قيم الليبرالية ويطلق لحرية المواطن العنان دونما قيد، وذلك قبطى ليس باستطاعته أن يتخلى عن هموم الأقباط ومشاكلهم فى مصر، ورابع وجدها فرصة سانحة للظهور إعلامياً واجتماعياً والتفاف المواطنين به وهو فى ذلك حريص على خدمتهم وخدمة آخرين.

وعجباً للمفاهيم والمصطلحات التى أسمعها من بعض المرشحين وأنا أترجل بين مجمعاتهم الانتخابية طلباً لرصد المشهد السياسى فى مصر، وإليك ملمحاً منها: فرص التهديد والضعف، وخريطة القوى المجتمعية، والنظام الرباعى، وبرلمان الجميع، ورفع مستوى الكوادر الحزبية، ولا أعرف هوية لحزب اللهم الأحزاب ذات الصبغة الدينية الإسلامية، والتوصيف القانونى، والشخص المفتاحى، وغيرها من المصطلحات التى دفعتنى بالتعليق عليها مع أحد أصدقائى بأن هذه العبارات تشبه بيانات فلاديمير لينين وهو يدغدغ بها عقول شعبه.
وخامس وسادس وسابع إلى ألف مرشح، ولكن يبقى المواطن واحداً سواء، كان كبيراً كان صغيراً فهو واحد، يستيقظ من نومه يذهب إلى مدرسته طالباً أو إلى عمله موظفاً، يدرس أم يعمل، يعود لمنزله يأكل، يقرأ، يؤدى فروضه المكتوبة بالمسجد أم بالكنيسة، يلهو بعض الوقت مع أقرانه، يشاهد برامج الحوارات المكررة عن واقع ومستقبل مصر، ثم يخلد للنوم واحداً أيضاً.

والمواطن لا تهمه أيديولوجيات التيارات الدينية وأهدافها ومحركاتها، ولا تعنيه تنويرية الليبراليين والإعلاء القيمى للحرية وللفكر بصفة عامة، كل ما يعنيه هو أن يحيا حياة آمنة مستقرة، لا تشوبها شوائب ما بعد الثورة من انفلات أمنى وتعدد مظاهر ومصادر الفساد، وألا يعانى مما عاناه سابقاً أيام نظام مبارك من قهر وقمع أمنى بلا مبرر واضح وضوح الشمس، أو المعاناة اليومية الاقتصادية التى تفرض عليه البقاء خارج المنزل بحثاً عن طعام لذويه ومن يعولهم.

هل هذا كله أو بعضه فى حسابات المرشحين الذين توغلوا داخل عقول المواطنين إما بأيديولوجيات تشبه الخطاب الشيوعى السوفيتى السابق، أم بالهجوم المستدام على الحزب الوطنى المنحل وفلوله وكيف عاقب الله هذا فأصابه بالشلل، وهذا فقد بصره، وذاك قبض على ابنته فى قضية آداب، وصورة ثالثة تذهب بعقل المواطن بعيداً نحو دولة إسلامية وحكومة إسلامية وخلافة إسلامية، وربما هو ومريدوه لا يستطيعون التفرقة بين الدين وأصوله وأركانه وثوابته، وبين الخطاب والفكر الدينى الذى يزيد وينقص حسب المد وجزره.

هل هؤلاء المرشحون على وعى بأعمال البلطجة وانتشار العنف فى أثناء الحملات الدعائية التى من المفترض إظهار النوايا الحسنة فيها وليس إظهار الأسلحة والبنادق والرشاشات وكأننا فى فرح ابنة عمدة القرية، وبالقدر الذى تشهده الحياة السياسية فى مصر من حراك وفعالية مشهودة، تشهد أيضاً قدراً مبالغاً من فرط المحبة لبعض المرشحين متمثلاً فى أعمال العنف والبلطجة، ورغم هذا ندعى أننا نشهد أكبر انتخابات برلمانية.

فإن كانوا على وعى فخسارة أن تضمهم هذه البلاد على أرضها، وإن كانوا لا يعلمون فكيف سيعلمون مطالب مواطن يقبع فى منزله خوفاً من هذه الظواهر العجيبة.

وأكره ما أشاهده من منشورات وبيانات تلقى على قارعة المشهد السياسى اعتبار الانتخابات واجبا دينيا تارة، وواجبا قوميا تارة، وواجبا وطنيا تارة أخرى، وكأننا نكره هذا الوطن وعلينا أن نحبه فقط فى لحظة الانتخابات ونجعله مصبوغاً بألوان شتى دينى ووطنى وقومى، إن الواجب الدينى أن أتقى الله فى عملى، طبيباً ومهندساً ومعلماً ومزارعاً وبائعاً، والواجب الوطنى والقومى أن نتكاتف سوياً بعيداً عن تحقيق مطامح ومصالح شديدة الخصوصية بمنأى عن صالح الوطن وخدمته.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة