أهم ما وصلت إليه الثورة المصرية أنها دقت عشرات المسامير والخوابير فى كراسى المسؤولين، فقبل الثورة كنت أشعر دائما بأن كراسى السلطة فى مصر أشبه «بالجاكوزى» لا تكف عن تدليل الحاكم ولا تتأخر عن راحته.. تذكرنى بتكية محمد على باشا الذى رسمه الفنانون وهو «مريّح» عليها وكأنه فى جلسة تدليك.. مستلق على جنبه ورافع رجله على التكية وكأننا جميعا عبيد عند سيادته.. كراسى الحكام فى مصر كانت دائما مريحة ورخوة وناعمة بلا أى مسؤولية ولا قلق، فنحن من الشعوب التى أبدعت فى تقديس حكامها والانحناء لهم ولو فاسدين، وكان نموذج مبارك ورجاله من أكثر النماذج المعبرة عن جلسات التدليك، فقد كان الشعب يئن من الجوع والمرض ومعالى الرئيس يتجول فى فسحة طويلة حول العالم ليعود ليرتاح على الشزلونج الساحلى فى شرم الشيخ، فالرجل وصل إلى قناعة بأن الحاكم فى مصر هو ابنها المدلل يصرف ما يشاء بلا حساب ويلهو بمواردها بلا عقاب، حتى إن أهم إنجازات مبارك هى الحصول على كأس الأمم الأفريقية ثلاث مرات.. لخص علاقته بالشعب فى الشعار الذى ردده علاء وجمال «زى ما قال الريس منتخب مصر كويس» وطالما المنتخب كويس فإن الشعب كويس مهما وصل عدد المرضى والجائعين والعاطلين والمحرومين، المهم أن المنتخب كويس.
هذه الأوضاع الشاذة بين الحاكم والمحكومين لم تأت من فراغ ولا يمكن أن تكون طبيعة فى الحاكم لأن كل حكام مصر على مر تاريخها كانوا بنفس الصفات، نحن الذين نصنع منهم طغاة لأن النفاق والتملق والاحترام المقدس الذى نحيط به الحاكم يقهر فى أى إنسان توازنه النفسى والعقلى، حتى إن التاريخ يذكر للمصريين أنهم جننوا الإسكندر الأكبر حينما دخل مصر كقائد عسكرى فسجد المصريون له على أنه رب الآلهة فصدق الرجل حماقتهم وعامل رجاله وأصدقاءه على أنه إلههم وليس زعيمهم فاتفقوا عليه حتى قتلوه. والثقافة المصرية لم تتغير كثيرا رغم تدينها الظاهر فاستبدلت كلمة الآلهة بما نطلق عليه الان «رمز» فلفترة طويلة منعونا من الهجوم والاعتراض على أفعال المسؤولين وسياساتهم لأنهم رموز فالرئيس رمز مصر والمجلس العسكرى رمز الجيش المصرى وتتغير الرموز تبعا للمواقف والأشخاص، وأهمية الحدث المهم أن الاعتراض مرفوض لأنك تعترض على الرمز لا على الفرد.. وأى عاقل يدرك بسهولة أنها خدعة ساذجة وحمقاء ولكن للأسف التعايش مع الغباء لفترة طويلة يؤدى لصداقة عفوية، فحتى تلك اللحظة تسمع بعض الناس يرفضون محاكمة مبارك لانه رمز فلا تعرف عن أى رمز يتحدثون وأنت أمام سفاح فاسد أبدع فى جرائمه لثلاثين عاما، بل إن هناك بعض المنافقين الآن يرفضون التظاهر أو الاعتراض على سياسات المجلس الأعلى للقوات المسلحة لأنه رمز للجيش المصرى وللسيادة الوطنية فعن أى «هجس» يتكلمون.. اخلعوا تلك العباءات الساذجة ولا تخفوا بها عيوب الحكام والمسؤولين فلا يوجد دولة أو جيش وطنى يتم اختزاله فى أشخاص بتلك الطريقة الحمقاء.أتصور أن حكامنا لن يتغيروا إلا إذا تغيرت نظرتنا إليهم وأصبح حكم مصر وظيفة لها واجبات وكشف حساب وثواب وعقاب، وتخلصنا من لعنة الإلوهية المزيفة أو رموز التكية التى مازال البعض ينادى بها لان التعامل مع الحاكم على أنه أرفع شأنا من البشر يجعله فى موقع اختيار بين اثنين لا ثالث لهما إما أن يكون ملاكا أو يكون شيطانا، وللأسف لا توجد ملائكة تعيش على الأرض.