فى الأول من صفر عام 37 هـ، دارت معركة صفين بين جيش معاوية بن أبى سفيان وجيش الخليفة الراشد على بن أبى طالب، استمرت المعركة أسبوعين قتل خلالها الصحابى عمار بن ياسر على يد جيش معاوية، وتذكر المسلمون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويح عمار تقتله الفئة الباغية" فرد معاوية: "إنما قتله من أخرجه."
ومن يتابع ما يجرى فى شارع محمد محمود المؤدى إلى وزارة الداخلية، حيث تسفك الدماء بدون ثمن أو سبب، سيجد نفس حالة الجدل التى دارت بين العرب قبل 1350 عاماً فى معركة صفين، فحين يتساءل البعض عن سبب إصرار المتظاهرين على مهاجمة وزارة الداخلية والاشتباك مع قوات الأمن الموجودة فى شارع أحمد محمود، يرد آخرون وإنما السبب من فض الاعتصام بالقوة وأراق الدماء البريئة الذكية.
مصر فى حالة جدل كلامى لا مبرر له، وكل شخص يستدعى ما لديه من الحجج ومخزون الكلام ليدلل على وجهة نظره، الداعمة للمتظاهرين، أو المدافعة عن دولة تكاد تنهار وتتفتت فى هذه اللحظة الصعبة، دون أن يبادر أحد لحديث العقل، ومحاولة نزع فتيل الأزمة التى تكاد تعصف بنا جميعاً.
نعم إدارة المجلس العسكرى للبلاد منذ 11 فبراير فاشلة، والمجلس يتحمل بصفته من يتولى السلطتين التنفيذية والتشريعية مسئولية ما تشهده البلاد من تدهور فى جميع المجالات، لأنه من يتولى السلطة، ومن يدير وهو صاحب القرار الوحيد، وهو من أعطى أذنيه لقوى سياسية لا تبغى سوى مصالح خاصة، ولا تستمع للناس ولا تعبر عنها لذلك، وللأسف لم يدرك المجلس حقيقة النخب السياسية التى يجلس معها ويستمع إليها ويتشاور معها.
ومع ذلك فإن التمسك بإدارة المجلس فى هذه اللحظة هو الخيار الوحيد لاستمرار هذا البلد، لأننا قاب قوسين أو أدنى من الانتقال إلى حكم ديمقراطى، عقب انتخابات برلمانية حرة، تشارك فيها لأول مرة جميع التيارات السياسية دون استثناء، قد لا تأتى بمن نرغب أو نريد، لكنه الانتقال السلس الديمقراطى، وإذا أخطأنا يمكنا التصحيح فى الانتخابات التالية.
قولوا لمن فى الميدان ومن خارجه، مصر فى موقف صعب.. الخروج منه فى غاية الصعوبة.. لكن الحل لا يزال ممكناً.. ومع ذلك يبقى السؤال هل سيقبل من فى ميدان التحرير وشارع أحمد محمود تشكيل حكومة جديدة محايدة، ومن ثم إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية.. أنا شخصياً أشك فى عودة الهدوء مرة أخرى مهما اتخذ المجلس العسكرى من قرارات، لأن الهدف الذى لا يدركه الكثير من المتحدثين والمتظاهرين والمتحمسين هو إسقاط مصر.. لا أكثر.. ولا أقل.