ما الذى يجعل واحداً مثل أحمد حرارة الذى فقد عينه اليمنى فى يناير أن ينزل إلى الميدان، ويهتف ضد حكم العسكر حتى يفقد عينه اليسرى فى نوفمبر؟ ما الذى يجعل ممثلاً موهوباً مثل على قنديل الذى أصيب بشرخ فى الجمجمة يوم موقعة الجمل يعالج من آثاره حتى الآن، أن ينزل إلى الميدان منادياً بسقوط الظلم والطغيان، فيصاب ويهده الإعياء، وقبل أن يشفى ينزل مرة أخرى وبقلبه شجاعة ألف رجل، وإرادة لا يقدر عليها بشر؟ ما الذى يجعل بطلاً مثل مالك، أو مجاهداً مثل المصور أحمد عبدالفتاح يتلقيان الرصاص فى أعينهما، وهما مبتسمان فرحان متفائلان رافعان علامات النصر؟ يا من اتهمتم ثوار مصر بالعمالة، قولوا لى كم تتقاضون مقابل نور أعينكم؟ قولوا بكم تساوى حياتكم؟ قولوا لى إلى متى ستظلون تتهمون إخوانكم الشرفاء، وتفترون عليهم، لتبرروا خذلانكم وتخاذلكم؟
مشهد واحد رأيته فى الميدان ليلة أمس الأول، كفيل بأن يكشف أكاذيب الكاذبين من الإسلاميين، والخبراء والعسكريين، والمتواطئين، الذين يتحدثون عن الأبطال بوقاحة وافتراء، ويلوكون كلاما على شاكلة «مخطط الفوضى، ومخطط تأجيل الانتخابات»، ولا «مخطط» إلا هم، ففى وسط الميدان كانت الجموع غفيرة كبيرة متراصة، بقلب كل واحد منهم حلم كبير، وأمل بغد أفضل، فجأة جاء «العريس» محمولاً على محفة عبارة عن قطعة خشب خشنة، طفنا به الميدان فى اتجاه جامع عمر مكرم، حوله الآلاف، يهتفون لروحه التى لم تغادر المكان بعد، كان المشهد مهيبًا واحتفالياً، كانت الجموع الثائرة تتقافز لتحظى بشرف حمله على الأعناق، بينما الهتاف يدوى، الشعب يريد إسقاط المشير.
سألت نفسى: ما الذى يجعل هؤلاء الأطهار يحتفلون بالموت، بمثل هذه الجسارة والشجاعة.. وفى أرواحهم نور؟ فقلت لنفسى: كل واحد منهم يحسب نفسه شهيداً.. «محتمل»، لكنهم اختاروا أن يحتفلوا بالموت، كما يحتفلون بالحياة، لأنهم على يقين بأن فى موتهم مع الحرية حياة، وفى حياتهم مع الطغيان موت.
الكل يعرف أن الفساد على حاله، إن لم يكن فى ازدياد، والكل يعرف أننا وثقنا فى المجلس العسكرى، ولكنه للأسف لم يكن على قدر ثقتنا فيه، والداخلية دائما تتحمل مسؤولية أن تكون اليد المتسخة بالدماء، لا لأنهم مجبرون على ذلك بحكم الأمر العسكرى الذى لا يأبه إلا بالحفاظ على كرسيه الوثير، وإنما لأنهم ساديون، يتعطشون للدماء كأى حيوان مفترس، أما الإخوان المسلمين، والجماعات الإسلامية الخائنة، والأحزاب الليبرالية الخانعة، والشخصيات المتحجرة المغرضة، الذين لا يريدون إلا الانتخابات، فمكانهم فى مزبلة التاريخ الذى لن ينسى أنهم باعوا إخوانهم، الذين يهتفون «يا نعيش أحرار يا نموت أبطال» ولا نامت أعين الجبناء.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
عصام الجزيرة
تاثرت كثيرا بالمشهد ..