كان يا ما كان فى سابق العصر والأوان كان يذكر الحكماء والبسطاء أن الكذب عار وسبة، وأن الكذاب قد أغضب الرب والعبد، وأن عليه أن يبذل المجهود الخالص ليصحح مساره وينقى سمعته بعد أن عرف الناس عنه أنه كذاب. هذا كان فى الماضى القريب، وليس فى أيام الفراعنة، أو فى أيام الجاهلية، الله سبحانه وتعالى يكره الكذاب، وكذلك نبينا الكريم الذى عرف بالصادق الأمين فى فترة ما قبل البعثة، وفيما بعدها، لقد أحبته قريش لصدقه فقد تاجر وربح وشهد له كل الذين تعاملوا معه بكل الصفات الجميلة والحسنة التى من بينها الصدق والأمانة. وهذه الأمانة هى التى قدمته صلى الله عليه سلم إلى أمنا الطاهرة النورانية الحكيمة السيدة خديجة عليها السلام، فكان زواجًا نورانيّا لأنه تأسس على الاحترام وعلى الصدق.
وأخبر سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم بأن المسلم قد يرتكب الذنوب وقد يرتكب الكبائر ولكنه لا يكذب، ولقد قالها صراحه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلم لا يكذب» فالكذاب يضلل الناس والأقارب، وربما أولاده. إن الكذب مرض وخيانة للأمانة. فكم من كذاب ضحك على من صدقه، ولكنه بكى بعد ذلك عندما جعله الله العزيز الحكيم يشرب من نفس الكأس، ثم فضحه وكشف ستره، ورأى فى أعين الناس الاحتقار والكراهية لفعلته، وربما لشخصه أيضًا، لقد خان الكذاب الأمانة لتضليله من وثق فيه وأعطاه مشاعره وفكره، وقال له أنت القائد، فسر بنا إلى بر الأمان، ولكنه قاده إلى الهلكة والدمار، بلا ضمير يؤنبه على جريمة التضليل والخيانة. الكذاب هو جسم غريب فى كيان الأمة الإسلامية لأن الأمة تسير خلف قائدها وقدوتها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق الأمين قبل وبعد البعثة، فبالصدق نحن نتصل به ونتواصل معه. إن الكذب يطمس القلب ويبتلع نوره الذى وضعه الله سبحانه فيه، ومع الوقت يلتف الظلام بالقلب ويخنقه ثم يتغلغل فيه فيصبح القلب أعمى لا يرى سوى كذبه ويموت إحساسه بالآخرين وبمشاعرهم، إن الكذب لا يلوث فقط اللسان، ولكنه يلوث البدن كله ويصبح الكذاب فى وضع «إنه ليس من إهلك إنه عمل غير صالح». وكما غرق ابن سيدنا نوح يغرق الكاذب فى بحور ظلام قلبه ولسانه ويضطر إلى أن ينسحب حتى ينزوى ويموت وحده بعيدًا عن الناس وبعيدًا عن الخير.