رغم تكرار «جمعات المليونيات» فى ميادين مصر التى أخذت كل واحدة منها عنوانًا محددًا خوفًا على الثورة من أن تضيع وتذهب دماء الشهداء سدى، إلا أن شيئًا لم يحدث لتبديد مخاوف الثوار وأبناء الميدان، وظلت محاولات احتواء الثورة قائمة من جانب سلطة الحكم دون جدوى، إذ لم يصدر ما ينبئ عن النية فى تحقيق أى هدف من أهداف الثورة، فتأكد أن كل ما حدث هو إزالة رأس الحكم فقط فى 11 فبراير لكن توجهات مبارك وأجندته فى إدارة الأمور داخليّا وإقليميّا ودوليّا ظلت كما هى فى أمن وأمان ومصونة من أن تطالها يد التغيير بدرجة أو بأخرى. وعندما تمر «الجمعة» فى سلام نحمد الله أن عافانا وعفا عنا من شر القوم الظالمين. غير أن ما حدث يوم الجمعة الأخيرة «18 نوفمبر الجارى» وما تلاه من أيام الغضب، جعل الخوف على الثورة أمرًا غير ذى بال، وأصبح الخوف على مصر يشغل البال ويطغى على ما عداه من المخاوف التى ترددها القوى السياسية من أن المجلس العسكرى يريد أن ينفرد بالحكم.. إلخ.
أما أسباب الخوف على مصر فإنها تبدو ماثلة فى الأفق من أن استمرار التصادم «المسلح» بين الشرطة وقوات الجيش من جهة وبين الثوار من جهة أخرى وبينهم «البلطجية» من شأنه أن يفتح الباب للتدخل الخارجى برعاية الولايات المتحدة الأمريكية التى ظهرت حتى الآن بمظهر راعية «الربيع العربى» من أجل الديمقراطية والحرية، مع أن تدخلها لا يحدث إلا لتحقيق مصالحها الاستراتيجية، أو للمحافظة على مصالح لها فى بلد الثورة حين تدرك أن الوقوف ضد هذه الثورة أو تلك ليس فى المصلحة الأمريكية، وهذا ما يعرف بالبرجماتية الأمريكية. وللتدليل على هذا يكفى الإشارة إلى أن الرئيس الأمريكى ترومان فى أغسطس 1952 اعترف بثورة يوليو 1952 فى مصر بعد أن تأكد له نجاح الضباط فى السيطرة على الحكم. وعندما قامت الثورة فى اليمن «26 سبتمبر 1962» بادر الرئيس جون كينيدى بالاعتراف بها فى 19 ديسمبر من نفس العام وطلب من المملكة السعودية الاعتراف بالأمر الواقع.
أما فى التاريخ الذى نعيشه الآن زمن الربيع العربى ونشهد أحداثه عيانًا بيانًا فقد رأينا أن الولايات المتحدة انتهزت فرصة اصطدام قوات القذافى فى ليبيا بالمعارضة فقامت بتسليح الثوار ووقفت إلى جانب مجلس انتقالى تم اختياره بعناية فأصبح المجلس بعد التخلص من القذافى فى يد الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها. وفى سوريا يتكرر السيناريو، حيث أدى الصدام بين قوات الدولة وبين المعارضة إلى تشكيل مجلس انتقالى فى تركيا. ولأن تركيا عضو فى حلف الأطلنطى فإن المشهد الليبى يتكرر لأن هذا معناه أن النظام العالمى الجديد يسعى للتخلص من الحكم فى سوريا مثلما حدث فى ليبيا وفى العراق من قبل لإجبار سوريا فى النهاية على الجلوس على مائدة مفاوضات مع إسرائيل وتقديم التنازلات المطلوبة، وفى مقدمتها الاعتراف بإسرائيل. والمثير فى هذا المشهد العربى أنه يتكرر منذ استقوت المعارضة العراقية بالولايات المتحدة الأمريكية، فأصبح العراق تحت سيطرتها، ولا يتعلم المعارضون الدرس. وعلى هذا الأساس فإن استمرار التصادم فى مصر بين السلطة والمعارضة «الثوار» من شأنه أن يستدعى التدخل الأمريكى، ويصبح الربيع العربى ربيعًا أمريكيّا بامتياز. وساعتها ستنطوى صفحة الجدل العقيم الدائر حول معنى الدولة الديمقراطية والمدنية والعلمانية والمواطنة والليبرالية، إذ سنصبح جميعًا تحت المظلة الأمريكية نجتر الماضى ونبكى بين يدى زرقاء اليمامة.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
تسلم ايدك
انت رجل عاقل