كل هذا كان يمكن تجنبه وتجاوزه، لكنه تحول إلى مجزرة تنهى الثقة فى المجلس, لأنه يدير السياسة بطريقة أمنية قمعية تدفع إلى حافة الخطر. خطاب المشير طنطاوى جاء بعد أربعة أيام من المجازر وعشرات الشهداء ومئات الجرحى, وطرح فكرة استفتاء يشق الصفوف وينشر مزيدا من الفرقة.
جاء خطاب المشير بعد أربعة أيام دامية وعشرات الشهداء ومئات الجرحى، ليؤكد أن البطء هو السمة الغالبة فى رد فعل المجلس، مع عدم الاعتراف بالخطأ، ضمن تحركات تبدو نوعا من المناورات فى غير محلها.
ومع البطء يأتى التراجع والتردد، لم يمر شهر على إعلان موعد انتخابات الرئاسة بعد الدستور حتى عاد المشير ليعلن إجراء الانتخابات الرئاسية خلال شهر يونيو القادم، تماما مثل التمسك بإحالة النشطاء للنيابة العسكرية، ورفض إحالتهم لقاضيهم الطبيعى وأمام الضغوط والحملات عاد ليفعل ماكان يجب أن يكون من البداية، إحالة المواطن لقاضيه الطبيعى، وأيضا الحديث عن حكومة إنقاذ وطنى بعد شهور من تسليم الأمر لنصف حكومة فشلت فى إدارة الأمر.
طالما كان المجلس يعلن أنه غير راغب فى الحكم وكان عليه أن يسند الإدارة السياسية لمدنيين من البداية حتى يظل بعيدا عن الجدل والمناورات.
قال المشير طنطاوى فى خطابه إن القوات المسلحة تعرضت لحملة تشكيك واتهامات باطلة، ولم ينتبه إلى أن هذه الحملات لم تأت فجأة، لكنها كانت نتاجا لشهور من التأخر والتباطؤ والتناقض فى القرارات، فالمشهد اليوم غيره من فبراير، كانت المسألة معقدة، وإدارة مدنية كانت كفيلة بإبعاد المجلس عن ألاعيب السياسة ومناوراتها، ومادام قبل المجلس من البداية القيام بدور سياسى فعليه أن يتحمل أو يصحح الخطأ، لأنه هو المسؤول عن التعقيد والبطء، ولا يمكن أن يكون الحل فى استفتاء يشق الصفوف بعد أن شقها الاستفتاء الأول الذى كان بداية انقسام سياسى.
الخطأ الأول كان غياب ترتيب الأولويات والتلاعب مع التيارات السياسية - وبعضها كان انتهازيا- بالتقريب والإبعاد وهو ما أدى لمزيد من الانشقاق.
ولعل موقف الدكتور محمد سليم العوا آخر مثال، فقد كان العوا مع المجلس العسكرى ضد المليونيات، ثم ابتعد وعاد ليصعد هجومه الذى وصل أقصاه خلال المليونية الأخيرة، وبعدها عاد ليقترب ويبرر ويتهم جهات وأشخاصا بدفع أموال من دون أن يقدم دليلا، متجاهلا عشرات الشهداء ومئات فقدوا أعينهم وجرحوا.. فأى أموال تساوى حياتهم؟! هى مناورات السياسة التى تشكك وتضاعف التعقيد.
لقد كان فى إمكان القوات المسلحة إغلاق شارع محمد محمود وحماية الميدان حتى يمكن منح فرصة للتفكير والخروج من الأزمة، لكن التيارات السياسية هى الشريك فى هذه الفوضى، وقد فقدوا ثقة الجميع وحرص كل منهم على الفوز بربح أو مقعد، متجاهلين أهداف الشعب ومطالبه، لقد أضاعت تكتيكات الانتهازيين كل فرصة فى بناء نظام محترم.