أعرف أن البعض لهم أكثر من وطن، وأنهم عندما ضاقت بهم الأمور هنا رحلوا سنوات، عادوا بعدها بثروات هائلة، لكننى مثل الأغلبية ليس لى سوى وطن واحد، وأذكر وبعض أصدقائى يعرفون أن عزيزا لدى أبعدنى عن أن أعرف أنه حصل على جواز سفر أوروبى، لكننى عرفت، وقال لى فى حديث طويل إن ما حدث لا يعنى له شيئاً وأنه حصل على هذا الجواز ليسهل له الحركة فى أسفاره العديدة، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر. وكنت أعرف أن ما يقوله صحيح، لكننى لم أنطق حرفا واحداً، وما لا يعرفه هذا «العزيز» على أننى قضيت ليلة أبكى، لا أعرف هل غضبا منه؟ أو قهراً لما آل إليه حالنا؟ أو لأنه صنعها؟ هذا وطننا وليس لنا سواه، وليس لنا أحلام خارج هذا الوطن.
وعندما هبت ثورة 25 يناير كنا أشد الناس فخراً بها، كانت الطفل الوليد الجميل الذى نتوقع أن يكون أشجع الفرسان، وأحكم الحكماء، وأعظم العلماء ولذلك عندما هبت عاصفة نوفمبر الترابية أحسسنا بالرعب، خوفا على الوليد العزيز، وأنا لا أحب السياسة، ولا الكتابة فى السياسة، لكننى أخشى على الوليد من حماقات الأهل، وأطالب آباء وأمهات الوليد أن يدافعوا عنه.
لقد عادت خماسين نوفمبر بسموم كثيرة مختلطة أشدها عجز السلطة، فالمجلس العسكرى رأى أنه مجرد حارس لما يحدث، ولا يوجد أحد يدير البلاد دون أن يحكم، وبالتأكيد كان هناك من يحس أنه يحكم، أو أنه لابد أن يحكم ،وكان المطلوب موقف ملائكى: أن يدير المجلس العسكرى البلاد حتى يصل بها إلى الديمقراطية ثم يخرج هو بكلمة شكر. ثم تأكد أنه حتى لن يخرج بكلمة شكر، وواجه اتهامات قد تطارده بعد نرول الستار على المرحلة. وليس فيما أقول تبرئة أو دفاع عن أحد، إنما هو توصيف للواقع، ولم يحاول المجلس أن يسأل ذوى الخبرة كيف تدار الأمور، وأدار البلاد كما تدار سرية أو كتيبة.. أبدأ من النهاية أى من بيان المشير.
من الذى اقترح عليه أن يرتدى هذه الملابس وأظنها ملابس الميدان، والأخطر: من الذى أعد له هذا البيان الذى يحوم حول القضايا دون أن يواجهها، والأسوأ هذا التصوير السيئ الذى يذكرنا بآخر خطابات الرئيس السابق، وكما كنا نسأل: من يشير على مبارك؟ نسأل: من يشير على طنطاوى؟ لا يوجد رئيس إلا وحوله مستشارون فى كل شىء، لأن مهمته اتخاذ القرار فى كل شىء، ولا يوجد رئيس يفهم فى كل شىء.. عجز الحكام -تطهرا أو لامبالاة- كان سببا أساسياً فى العاصفة على ربيع الثورة.
ثم - بصراحة- لم نكن بقدر الثورة، فالنخبة التى كانت مؤهلة لاحتضانها من أول لحظة بدأت تبحث لها عن دور بعد مرحلة جفاف طويلة، طرد فيها المثقفون من تحت الأضواء، وبدأ جنون الظهور الإعلامى، حتى انشغل المشاهد بكم مرة ظهر هذا الضيف فى هذه الليلة بدلاً من أن يهتم بما يقوله، والإعلام لا يهتم إلا باستدراج المتحدث إلى كلام يثير ضجة، سواء كانت ضجة طيبة أو شيطانية.
وخرجت القوى السياسية لتدعم العاصفة -لا نستثنى منهم أحدا- فكلها تريد أن تثبت أنها الأفضل والأقوى، وبالتالى تحصل على الجزء الأكبر من التورتة أو عليها كلها إن أمكن، الأحزاب الكارتونية تعملقت، والأحزاب الدينية اعتقدت أن التورتة صارت فى جعبتها، وتكلم الجميع بأسمائنا نحن سكان هذا البلد الذى كان آمناً.
وقبل أن أطلب -وما قيمة ما نطلبه؟- أن يتجمع حكماء هذه الأمة ليضعوا خطة العمل والمستقبل، لا أستطيع أن أهمل قضية الأمن التى لا يحب كل من ذكرتهم سابقاً الحديث فيها ولا التفكير فى حل جذرى لها، ولا قضية الفلول الذين يسعون للحكم من أيام مينا إلى ألف عام قادم.
كل هذه الأجواء حاولت أن تخنق الوليد، ونزلت العاصفة السوداء كارثة على الوجه الوردى.. وعلينا جميعا أن ندافع عن الوليد.. فكروا قليلاً لو أن العاصفة انتصرت ماذا سيحدث لنا؟!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
عاشق المحروسه
يااااااااااااااااااااااااااااااااااارب