وقف خطيب المسجد يلقى خطبة الجمعة أمس الأول وتناول أحداث التحرير وأكد على أنها فتنة وأن من يشعلونها يريدون حرق الوطن ولا يريدون الصالح العام بل يريدون فرض آرائهم وأجنداتهم على المجتمع الذى لا يمثلون إلا نسبة صغيرة جدا منه.
لم يكمل الخطيب كلماته إلا وثار عدد من المصلين الذين اعترضوا على كلامه وقاطعوه صارخين فى وجهه إن فى التحرير ثورة ثانية لأن الثورة الأولى لم تكتمل وبدلا من أن تلوم الثوار الذين انتفضوا بعد أن سالت دماء العشرات من المصريين على يد الداخلية عليك أن تلوم من قتلوهم ومن سكتوا عن قتلهم.
واشتعل المسجد بين المعارضين للإمام والمؤيدين لكلامه وانتهت صلاة الجمعة وعلى مقربة من باب المسجد وقف زوج وزوجته يتحدثون مع اثنين من أبنائهما الذين يصرون على الذهاب لميدان التحرير لحضور المليونية بينما يرفض والدهم وتصر والدتهم على الذهاب معهم.
احتدم النقاش بين الأب والأم فقد رأت الأم أن الذهاب للتحرير الآن والمشاركة فى المليونية هو واجب وطنى وإنسانى وفاء للشهداء الذين فقدوا حياتهم ووفاء لمن فقدوا عيونهم بينما يصمم الأب أن هذه نية حسنة ولكن الضرر من الذهاب للتحرير والتظاهر الآن أكبر من نفعه وأن هناك فتنة يجب أن يتم احتواؤها حتى لا يصطدم الجيش بالشعب وتحدث حرب أهلية فى مصر.
لم يشغلنى هذا النقاش الساخن بقدر ما لفت انتباهى هذه الحالة الجديدة التى أصبحت موجودة تقريبا فى كل بيت مصرى من اختلاف فى وجهات النظر أراه اختلافا محمودا لا مذموما، يرى البعض فى هذا خطورة بالغة على وحدة المجتمع وتماسكه ولكننى أراها حالة صحية جدا من أعراض التحول الديمقراطى والمناخ الجديد الذى تصنعه أجواء الحرية لشعب تم قمعه وإخراس صوته على مدى عدة عقود من الزمان.
إن الديمقراطية تعنى وجود آراء مختلفة وأفكار متصارعة تتطاحن فيما بينها حتى تنتصر فكرة على فكرة ولكن ما يميز الديمقراطية هو عملية إدارة الاختلاف فى وجهات النظر وآداب وقواعد هذا الاختلاف
آفة الاختلاف أن يتحول من الأفكار إلى الأشخاص، وأن يصبح المختلف عنا عدوا لنا، كذلك أن نصل فى اختلافنا مع الآخرين إلى حد تخوينهم والتشكيك فى نواياهم والطعن فى شخوصهم، كذلك أن نشعر أننا نمتلك الصواب المطلق وأن وجهة نظرنا أحادية مقدسة لا يمكن أن نتراجع عنها أبدا وأن الآخرين أقل منا فى التفكير وأن وجهات نظرهم لابد أن تكون دوما خاطئة.
هذه الطريقة الخاطئة فى إدارة الاختلاف تجعلنا نمارس الإقصاء على الآخرين وكذلك فرض الوصاية على عقولهم وأفكارهم، وهذا ما تمارسه بعض النخب السياسية الآن وكذلك يمارسه للأسف قطاع غير قليل من الشباب على صفحات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى.
إن رقى أى مجتمع وتحضره ونضج أفراده يتحدد ويقاس طبقا لأسلوب إدارتهم للاختلاف فى وجهات النظر فالمجتمعات المتخلفة تمارس التخوين وفرض الوصاية وادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة والتجريح الشخصى للمختلفين معهم، أما المجتمعات المتحضرة فتعرف كيف تدير نقاشا واختلافا حضاريا يهدف إلى الوصول للمساحات المشتركة التى تجمع بين ميزات كل الآراء من أجل صالح هذا المجتمع.
حالة الاختلاف عموما حالة صحية لأى مجتمع ودليل على تنوعه وثرائه وحيويته ولكنها قد تكون حالة مدمرة إذا فشل هذا المجتمع فى توجيهها لتجميع الجهود والاستفادة من التنوع فى الأفكار والآراء.
ورغم الشعور السلبى الذى ينتاب الكثير منا وهو يرى المناخ الحالى للاختلاف والتجاوزات فيه من بعض الناس إلا أننى أعتقد أنها مرحلة عابرة سنتعلم فيها إدارة الاختلاف واحترام المختلفين عنا وسيقوم المجتمع ذاتيا بعزل المتطرفين عند الاختلاف الذين يمارسون التخوين وفرض الوصاية على الناس ولن يصبح لأصواتهم أى تأثير لأن المجتمع سينظر لهم على أنهم مجموعة متطرفة السلوك لا يعتد برأيها ولا تطرفها، لأن مساحة الوسط والاتزان فى المجتمع ستتسع كل يوم مع ممارسة الديموقراطية لتعزل الأصوات المتطرفة وتهمشها.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ahmad
مش من الثوار
عدد الردود 0
بواسطة:
puma
انت من أسباب هذا الأنقسام
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد عبدالجواد
كلام جميل ولكن
عدد الردود 0
بواسطة:
مهندس خالد
نحن نحب الثورة
عدد الردود 0
بواسطة:
عاطف ملاك
فكر تاني
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود البشلاوي
مقال رائع
عدد الردود 0
بواسطة:
محممممممممممممممودنصر
تدعى رفضت تولى حقيقة وزارية عرضها الجنزورى عليك وتسأل هذا السؤال ؟؟؟؟؟؟
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
للأسف
عدد الردود 0
بواسطة:
د. محمود
كلنا مستبدون