د. بليغ حمدى

هى عادة ولا هنشتريها

الإثنين، 28 نوفمبر 2011 10:31 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بدأت مصر اليوم تخط أول سطورها نحو حياة برلمانية ربما تكون إن شاء الله نزيهة كما نتمنى، خرج الملايين للإدلاء بأصواتهم عبر صناديق زجاجية بعيدة عن سيطرة السجين أحمد عز، وعن نفوذ أمانة السياسات المنحلة التابعة للحزب الوطنى المنحل أيضاً، وبعيداً أيضاً عن أيدى بعض ضباط الشرطة الذين كانوا يمارسون بعض عقد النقص على المواطنين، لذا فالنزاهة ربما تتوافر هذه المرة.

بدأت اليوم أول انتخابات برلمانية لمجلس الوطن، بعد ثورة يناير البيضاء التى لا تزال تلطخ بدماء الشهداء على أيدى القناصة والمرتزقة والعنصر الثالث، الذى لا يعرفه جهاز الأمن فى مصر ولا المتظاهرين .

ولعل خروج المواطنين إلى لجان الانتخابات هو الدليل الدامغ على وعى هذا الشعب العظيم بمستقبله، وأن كل محاولات الرئيس السابق المتخلى حسنى مبارك ونظامه الذى أسقط لفساده لم يفلح فى تغييب وعى هذه الأمة، كما أن مناهجنا التعليمية العقيمة والرتيبة والبعيدة عن أية توصيفات عالمية راقية عبر سنوات بعيدة، لم تنجح فى سحق المواطن لذاكرته.

خرجت جموع ولم يستسلموا لذاكرتهم التى حملت مواقف مريرة ذاقوها على أيدى دولة جهنم، أقصد جهاز مباحث أمن الدولة، وما كان يفعله بعض الموتورين لاسيما فى محافظات ومدن وقرى صعيد مصر، وربما خرجت هذه الجموع محاولة منهم استرداد كل ما سلب منهم من كرامة وشجاعة.

ووسط هذا العرس المصرى الجميل، لابد وأن تعترى انتخاباتنا التاريخية بعض الشوائب، التى لم تعكر والحمد لله، صفو عرسنا الرقيق، إلا أنها عادة مصر الضاربة فى الأزل، والتى تأججت بسبب ما تعانيه البلاد من الفوضى.

فالحمد لله أولاً وثانيا وثالثاً أن الجيش المصرى نجح كعادته فى حفظ أمن البلاد، ولم تسمح قواتنا المسلحة الباسلة لأية أعمال بلطجة أو خروج على الشرعية والقانون، وكأنها تلقن الشرطة درساً جديداً فى التعامل مع المواطن، وفى حفظ الأمن والاستقرار لهذا المواطن.
لكن ما بالكم باستمارات انتخابية غير مختومة كالعادة قديماً أيام عز المهندس أحمد عز وفرقته السياسية، وما بالكم بمرور رئيس لجنة الوايلى ومقرها مدرسة القبة ولم يجد القاضى موجوداً بلجنته، بل وجدا موظفاً يجرى عملية تصويت المواطنين.

وهؤلاء مرشحون اعتادوا خرق النظام وآداب الحياة السياسية، فقاموا بتوزيع أوراق الدعاية الانتخابية باللجان الانتخابية رغم حظر القانون لذلك، إلا أن عادة بعض المصريين فى اللامبالاة واحتراف الفوضى هو الذى دفعهم لذلك.

وما بالكم بلجان فتحت متأخرة عن الموعد المقرر لها، مثل كل عاداتنا الحياتية، مهرجان للسينما يبدأ متأخراً، مباراة تتأجل ساعات لفوضى الإعداد والتنظيم، مدرسة تغلق أبوابها لأن المدير لم يأت بعد، خطبة للجمعة تأخرت لأن الخطيب انشغل قليلاً بالحديث مع أحد المصلين ففاته أن الأذان قد رفع.

ووسط هذا أيضاً تجد امرأة تصر على أن ترى ورقة الترشيح بعينها داخل الصندوق بعد إلقائها به فيقوم المسئول عن الصندوق بفتحه واستخراج الاستمارة الانتخابية حتى تتأكد أن الورقة بها، وفعلاً من ساء فعله ساءت ظنونه، وهذه المرأة تذكرنى بنساء وطنى اللواتى يتأكدن أنهن أغلقن باب الشقة بإحكام، فيقمن بدق الباب أكثر من مرة، حتى يكاد ينفجر من الغضب بفعل هوسها ووسواسها القهرى المزمن .

وحتى كتابة هذه السطور الحمد لله أننى لم أسمع خبراً واحداً يفيد هوس بعض المصريين بالفوضى والبلطجة، حماك الله يا مصر، وكم أنا أتمنى أن تسير عملية الانتخابات بيسر وسهولة وأمان، ليس فقط من أجل بلادى، بل من أجل هؤلاء المتربصين بمصر لاسيما خارجها، ممن يناشدون المجلس العسكرى بضرورة تسليم السلطة لإدارة أو سلطة مدنية، بل وعلى وجه التسارع، وليس التسريع.

فوزير الخارجية الفرنسى ورئيس الوزراء هناك والرئيس الأمريكى أوباما الذى لايعرف شيئاً عن مصر بدليل ثورة الخامس والعشرين من يناير، وبعض المنظمات الدولية وربما دولة قطر التى تحشر أنفها رغماً عناً فى شئوننا الداخلية، كل هؤلاء يناشدون المجلس العسكرى بنقل السلطة فوراً لسلطة مدنية.

لكل هؤلاء وغيرهم الكثير الذين يريدون الشماتة بوطنى، أدعو الله بسلامة عملية الانتخابات، رغم أن بعض المصريين كما احترفوا اختراع النكتة، واخترعوا مسحوقاً يدهنون به الهواء، لهم عادات متغلغلة فى الوعى الجمعى، لا يفارقونها ما حيوا .. تعيش بلادى، بأبنائها وطوائفها وأحزابها، وشهدائها، ومتظاهرى الميادين، وائتلافاتها التى لا حصر لها، وجماعاتها الإسلامية وإخوانها المسلمين، وفرقها السلفية، وفرقها الصوفية، وأقباطها، وليبرالييها، ورجالها ونسائها .. تعيش مصر ...









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة