اليوم هو اليوم الثانى للمرحلة الأولى لانتخابات مجلس الشعب، تأتى هذه الانتخابات فى ظل ظروف قاسية ومعقدة ومتناقضة ومتوترة، تأتى بعد استقطاب سياسى لم تشهده مصر من قبل، بدءًا من استفتاء 19 مارس الماضى، الذى خلق عدة معارك افتراضية لم يكن هذا توقيتها ولا زمانها، مثل المعركة حول أولوية الدستور أم الانتخابات، والتى لحقتها معركة الدولة دينية أم مدنية على ضوء تعريفات هلامية ومتناقضة لكل منهم، وصولاً إلى معركة المبادئ الدستورية التى انتهت بمليونية 18 / 11 الماضى والتى استعرض فيها التيار الإسلامى بكل فصائله قوته متعاليًا ومتكبرًا على الجميع.
وتصاعدت الأحداث فكانت مليونية الشعب المصرى بكل فئاته وطبقاته وأديانه فى التحرير تدشينًا لمرحلة جديدة لثورة يناير ذلك يوم الثلاثاء 22 / 11 والتى رفض فيها الشعب من سرقوا منه ثورته، رافضًا لكل القوى السياسية والحزبية الانتهازية التى حاولت سرقة الثورة تحت ادعاء وزعم الثورية والحفاظ على الثورة عن طريق عقد الاتفاقيات مع المجلس العسكرى، وبرغم التضحيات التى دفعها الثوار من قتل وإصابات ومواجهات، ولكن كانت هناك رسائل من الميدان كنا فى أشد الحاجة إليها، أولها رسالة لكل القوى المستكبرة والزاعمة ملكيتها للشارع بمفردها أن هناك الشعب المصرى الذى لا ينتمى إلى أحزاب ولا منظمات يستطيع النزول للميدان وكل الميادين بالملايين، وأخرى للمجلس العسكرى تعلن رفض إعادة إنتاح الوصاية على الشعب مرة أخرى وتذكره بأن ما تم ثورة وليس هبة، فكانت استقالة شرف وتكليف الجنزورى فى ظرف استقطاب حقيقى بين من يؤيد ومن يعارض. لذا فهناك كانت ولا تزال مخاوف من إتمام الانتخابات فى ظل هذه الظروف، إضافة إلى حالة الانفلات الأمنى المتصاعدة وحالة التخوين الجامعى التى انتجب تفتتًا وتشرذمًا لكل القوى السياسة بكل انتماءاتها، ومع ذلك وحتى يزداد الطين بلة، كانت المفاجأة للبعض وليست لنا وهى نزول قوائم كنسية تأمر الأقباط بانتخاب قائمة الكتلة التى يأتلف معها حزب المصريين الأحرار «حزب ساويرس»، وهنا لا نريد أن نذكر أننا نحذر منذ أكثر من عشرين عامًا من دور الكنيسة المتصاعد وإصرارها على القيام بدور سياسى، وهذا كان فى ظل النظام الساقط جائزًا، حيث إنه كانت هناك علاقة غير شرعية ومصلحية بين النظام وبين البابا بأن يكون زعيمًا ممثلاً للأقباط ومحتويًا لهم فى مقابل دعوة الأقباط لانتخاب الحزب الوطنى وتأييد التوريث.
ولكن منذ ثورة يناير ومشاركة الجميع فيها كانت هى الفرصة الذهبية بعد خروج الأقباط من وراء أسوار الكنيسة لأن يمارسوا السياسة بعيدًا عن الوصاية الكنسية، فلا دور سياسيّا للمواطن مع أى وصاية سياسية أو دينية، مع العلم بأن دور الكنيسة فى الانتخابات ليس جديدًا، ولكن الجديد هو التبجح والعلنية فى إظهار موقفها الانتخابى الذى لا يجب ولا ينبغى أن يكون.. لماذا؟ لأن فرض وصاية سياسية وانتخابية من الكنيسة يعنى إهدار حق المواطن الدستورى وإسقاط دوره القانونى فى حرية الممارسة السياسية وفى حق وحرية الاختيار، كما أن هذا يعنى تشيىء الأقباط ووضعهم جميعًا فى زكيبة الكنيسة مما يسقط حق المواطنة وممارستها فى الوقت الذى يصدعون فيه رؤوسنا حول الدولة المدنية، فهذه الوصاية وتلك الطريقة تعنى تكريسًا لدولة الكنيسة الدينية فى الوقت - يا ولداه - الذى يقولون فيه بملء الفم إن البابا لا يمارس السياسة ولا علاقة له بها.
ولا نعلم إذا لم تكن الانتخابات سياسة فماذا تكون؟ كما أن تلك القوائم هى إعلان استفزازى وإصرار على أن يكون للكنيسة دور سياسى وهذه رسالة للجميع سواء صاحب القرار أو التيار الإسلامى، وهذا معناه أننا أمام تيار إسلامى يعمل على الدولة الدينية.. وممارسات كنسية بتكريس الدولة الدينية الكنسية مما يعطى التيار الإسلامى الحق ويبرر له الإسراع فى الدولة الدينية خاصة أن لهذه الدولة من يؤمن بمبرراتها عقيديّا غير المسيحية التى تفصل بين ما لقيصر وما لله، وهذه الممارسة وذلك الاستفزاز يزيد الاستقطاب الدينى وكأننا «ناقصين استقطاب»، ويكرس للدولة الدينية ويقسم الوطن ويزيد الفتنة ويؤجج التطرف ويساعد مسوقى الأجندات الخارجية لتبرير التدخل، فأين مصر الوطن الذى يعيش فينا؟ ولا كلام!