سألنى موظف بسيط عما إذا كانت الانتخابات الحالية ستشهد عملية تقفيل للأصوات أم لا؟.
سؤال الموظف لم يكن بغرض الاطمئنان على نزاهة الانتخابات وضمان وصول صوت الناخب إلى المرشح الذى يختاره، وإنما لأنه كان يتم اختياره من وزارة الداخلية، كل انتخابات، مندوبا فى لجنة يشرف على عملية التصويت، وكان نصيبه الدائم فى لجان محافظة القاهرة، باعتباره من محافظة القليوبية وموظف فى الإدارة الزراعية بها.
الموظف كان يتقاضى 375 جنيها نظير مهمته، وكان يعتبر ذلك دخلا إضافيا على راتبه، لكن هذا المبلغ لم يكن هو مقصده، فحسب روايته لى، كان يومه يبدأ من مساء اليوم السابق على الانتخابات، حيث يذهب إلى قسم الشرطة، ويتم توزيعه منه على اللجنة التى سيشرف عليها، ويذهب إلى المبيت فى المكان المخصص لذلك، وهنا تبدأ رحلة الغنائم، حيث يترقب الموظف وزملاءه الذين يقومون بنفس مهمته، حيث يجىء مرشح الحزب الوطنى «المنحل» أو من ينوب عنه، محملا بالهدايا التى تتكون من السجائر، إذا كان يدخن، أو مقابلها المادى إذا لم يكن يدخن، وبعد ذلك يأتى العشاء الفاخر، وبعد السؤال والاطمئنان تأتى العبارة الأهم من المرشح أو من ينوب عنه: «إن شاء الله نشوفك بكره على خير».
العبارة يفهمها الموظف جيدا، فهى تعنى بالنسبة له، أن التساهل فى إدارة اللجنة هو «تفتيح مخ»، والمقابل سيكون مجزيا، فبدلا من عودته إلى أسرته بـ«375 جنيها» سيعود بمبلغ أكبر، المهم أن ذلك يتوقف على «تفتيح المخ»، فماذا عن هذا «التفتيح»؟
أترك الموظف يواصل شرحه قائلا: يتواجد ضابط الشرطة بزيه المعروف، ويتواجد رجل أمن دولة بزيه المدنى، وهو الأهم فى هذا اليوم، حيث ينبهنى لأن أضبط نفسى مع أشخاص معينين تابعين لمرشح الوطنى، ثم يأتى الناخبون إلى اللجنة، أمام مندوبى المرشحين، إن كانوا موجودين جميعا من الأصل، وأعطيهم ورقة الانتخاب، ويستمر اليوم ببطء شديد لأن الناخبين عددهم قليل، وفى وقت الغداء تأتى الوجبات الفاخرة من مرشح الوطنى، ثم نعاود العمل حتى الساعة الرابعة، وهنا تأتى ساعة الحسم التى ستؤدى بمرشح «الوطنى» إلى النجاح، حيث يعطى مندوب أمن الدولة إشارة البدء لمندوب المرشح، فيأتى للمساومة: «كفاية 100 جنيه يا أستاذ»، وتستمر المساومة لرفع المبلغ الذى قد يرتفع إلى 150 جنيها، وبعد الاتفاق يتم دفع المبلغ سريا، ثم تبدأ رحلة تقفيل الأصوات بمراعاة مندوب أمن الدولة، وتقفيل الأصوات يعنى التصويت لم يحضر بنعم لمرشح الوطنى، وتتم وفقا لمقدار معين من الأصوات يضمن نجاح مرشح الوطنى، وبعد انتهاء العملية يتم تشميع الصناديق وتذهب إلى رحلة الفرز التى تنتهى بإعلان فوز مرشح الوطنى، وكأن الناخبين قد أعطوه صوته بالفعل.
يتذكر الموظف أن رجل أمن الدولة، يحرص على توجيه التحية له ثم يأخذ اسمه، لأنه موظف يسمع الكلام، وبالتالى يكون له نصيب فى الانتخابات المقبلة، ويعود الموظف إلى أسرته بحصيلة نحو 500 جنيه.
هكذا كانت تدور عملية التصويت التى لا تقف عند إنجاح مرشح بالتزوير، وإنما تمتد إلى إفساد ذمة موظف لا يلبى راتبه حاجة أسرته، ولأن المناخ كله تزوير فى تزوير لم يكن يرى عيبا فيما يفعله، ويتمنى أن يشارك الآن للتكفير عما فات، وهذه المرحلة كانت فى الانتخابات الأخيرة التى لم يشرف عليها القضاء، والآن يختلف الوضع مع الإشراف القضائى الذى لن تكون مهمته فقط ضمان عدم التزوير بإنهاء أسطورة تقفيل اللجان، وإنما بالقضاء على إفساد الموظفين.