اندلعت أزمة القضاة والمحامين على خلفية مشروع قانون استقلال السلطة القضائية، ذلك المشروع الذى حمل سخط العديد من المحامين باعتبارهم جناحى عملية العدالة، فقد وجه المحامون نقدا لاذعا للقانون، لكونه ضم مجموعة من المواد التى تساهم فى نزع حصانة المحامى، ورغم التأكيد على أهمية استقلال السلطة القضائية وحصانتها، باعتباره من المقومات الثابتة لأى نظام سياسى، فهو ضمانة أساسية لتعزيز قيم الديمقراطية والفصل بين السلطات، ونبراس لحماية الحريات والحقوق الفردية، حيث يؤدى إلى الحيلولة دون توغل إحدى السلطات على الأخرى نتيجة تشارك السلطة، ويلعب دوراً فعالاً فى الرقابة على دستورية القوانين وتفسير نصوصها التشريعية، ولهذا بات القضاء بمثابة الحصن والملجأ الأخير للمواطن العادى والحامى له، إلا أنه فى ذات الوقت لا يجب أن يمس استقلال القضاء بأى حال من الأحوال حقوق واستقلال المحامين.
ولكن جاء المشروع المطروح ليتضمن العديد من المواد التى تمس استقلال المحامين، وخاصة المادة 18 التى تنص على أن «تكون جلسات المحاكم علنية إلا إذا أمرت المحكمة بجعلها سرية مراعاة للآداب أو المحافظة على النظام العام، ويكون النطق بالحكم فى جميع الأحوال فى جلسة علنية. ونظام الجلسة وضبطها منوطان بالرئيس. وكل من اقتحم أيا من مقار المحاكم والنيابات أو أخل بسير العدالة أو نظام الجلسات يعاقب بالحبس أو بالغرامة التى لا تجاوز عشرة آلاف جنيه. فإذا وقعت الجريمة أثناء انعقاد الجلسات كان للمحكمة أن تأمر بالقبض على المتهم أيا كانت حصانته وإحالته إلى النيابة العامة بمذكرة فى غضون أربع وعشرين ساعة»، وبالتالى فالمشروع لم يعط اهتماماً لحقوق المحامين، فطبقا لقانون السلطة القضائية الجديد من حق القاضى أن يحبس أى أحد بالقاعة ممن يخرج على نظام الجلسة، وهو بذلك يخالف العرف المعمول به فى روح القانون الذى يقضى بأن المحامين والقضاة هم ذراعا العدالة ولا يمكن لأى طرف أن يعمل دون الطرف الآخر، كما أنه يخالف فى الوقت ذاته قانون المحاماة المصرى الذى يعطى حصانة للمحامين فى متن مادته الأولى.
والجدير بالذكر أن هذه الأزمة ليست الأولى فى علاقة القضاة بالمحامين، فقد سبقها منذ فترة أزمة محاميى طنطا «إيهاب ساعى الدين، ومصطفى فتوح» بعد اتهامهما بالاعتداء على باسم أبوالروس مدير نيابة قسم ثان طنطا، حيث شهدت هذه الأزمة تشددا من قبل القضاة ضد المحامين، مما أدى إلى شعور جمهور المحامين بالغبن لأن القضاة لم ينظروا إلى هذه الأزمة على أنهم طرفا العدالة، بل نظروا إلى المحامين على أنهم طرف أقل فى عملية العدالة وهى قضية أثارت احتقان جمهور المحامين. وهنا فإن الحديث عن استقلال السلطة القضائية لا يجب أن يكون بأى حال من الأحوال بمعزل عن استقلال المحاماة، وقد وجدنا أن المبادئ الصادرة عن الأمم المتحدة بشأن استقلال السلطة القضائية لعام 1985 تنص على أن تعرض هذه المبادئ على المحامين. ومن ثم فقضية استقلال القضاة ليست مطلبا للقضاة فقط، ولكن مطلب للمحامين أيضا.
وهنا يجب على المحامين أن يكونوا شريكا أساسياً فى قانون استقلال السلطة القضائية، لأن هناك فرقا كبيرا جداً بين استقلال القضاء والاستقلال بالقضاء، فهناك مجموعة من القضاة تريد السيطرة على القضاء وإنما النظرة الصحيحة والعملية لهذا الموضوع تقتضى أن نعمل جمعياً سويا محامين وقضاة من أجل استقلال القضاء الذى سيؤدى إلى تحقيق العدالة والإنصاف. وأخيراً؛ نحن نريد القضاء كولاية وكعدالة وليس كسلطة، فإذا خرج القضاء عن كونه ولاية وانطلق إلى ترسيخه فكرة السلطة، هنا سيصبح مثل باقى السلطات يحمل النقد والتجريح وما إلى ذلك من أمور تتعلق بالسلطات، وإنما نحن نريد القضاء كولاية يعمد إلى الفصل بين السلطات ويكون له سموه وقدسيته.
حافظ أبو سعدة
مشروع قانون استقلال السلطة القضائية.. هل يعصف باستقلال المحامين؟
الخميس، 03 نوفمبر 2011 04:50 م
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محامى حر
بل يعصف بالعدالة ذاتها
عدد الردود 0
بواسطة:
قاضي نزيه
الدفاع من أجل فتح الباب علي مصرعية للتجاوز والإخلال
عدد الردود 0
بواسطة:
على نور
ثقافة المواطن بالقوانين مسئولية وطنية وامن قومى
عدد الردود 0
بواسطة:
عبدة التاية
خريجى كليات الحقوق مظلومين جدا فى وطنهم
عدد الردود 0
بواسطة:
محامى حر
واللة حاجة تكسف
عدد الردود 0
بواسطة:
جمال طة
التوتر الحالى ليس بين المحامين والقضاة فقط
عدد الردود 0
بواسطة:
توفيق
العلم نور وما يجرى بين المحامين والقضاة جهل