كشفت معركة شارع محمد محمود ، عن انتهاء العمر الافتراضى لبقايا الدولة المصرية، منذ إسقاط الرئيس السابق حسنى مبارك، كتبت أكثر من مقال عن تفكك الدولة، وكيف أن الدولة والنظام منذ 1952 صارا كالتوأم الملتصق لا يمكن إسقاط أحدهما دون إسقاط الآخر، وإن كانت الجمهورية الأولى «1956 - 2011» قد استطاعت أن تقف فيها الدولة على قدميها مستفيدة تارة من المناورة بين المعسكر الاشتراكى والمعسكر الرأسمالى إبان الحرب الباردة، أو كانت القيادة المصرية مدركة كيفية الاستفادة من التبعية والعلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أننا فى العشر سنوات الأخيرة من حكم مبارك، رهن الرئيس السابق مشروع الدولة الوطنية مقابل التوريث لابنه، وسمح لتطور العلاقة الخاصة والتبعية إلى ما يشبه امتهان مقدرات الوطن والدولة فى يد الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وكان ساعده الأيمن فى إدارة تلك العلاقة نفر من الجنرالات السابقين لبعض المؤسسات السيادية الأمنية، الذين سيطروا على مفاتيح الحياة المصرية الرسمية فى القصور أو فى مقار الأجهزة، لذلك لا نقدم مفاجأة أن يعانى المجلس العسكرى من الارتباك فى حده الأقصى.
لسنا بصدد تحميل الأخطاء للمجلس العسكرى فى الشهور الأخيرة، بقدر ما نبحث عن الانقسام الواضح والمتجسد فى ازدواجية خطاب الأزمة للمجلس من أحداث ماسبيرو، وحتى موقعة محمد محمود، سيادة المشير حسين طنطاوى يصرح بأنه لا محاكمات عسكرية لمدنيين، والمحاكمات كانت تجرى على قدم وساق، الفريق عنان يصرح بأن مدنية الدولة قضية أمن قومى، ووثيقة السلمى نتيجة الضغوط الإسلامية تسقط هذه العبارة، ثم يلقى علينا المشير بيانا بعد أحداث محمد محمود يعرب فيه عن أسفه، لنفاجأ بعدها ببيان آخر لأحد اللواءات يتضمن اعتذارا، ثم تزداد المفارقات، حينما تعلن أجهزة الإعلام الحكومية الرسمية بعد ذلك عن بيان لرئيس الأركان الفريق سامى عنان ولا يحدث!!
يتحدث أكثر من مرة فى المجلس العسكرى عن خريطة طريق لتسليم الحكم بعد الانتخابات البرلمانية، ثم يفاجئنا اللواء ممدوح شاهين بأن الإعلان الدستورى لا يسمح للحزب الذى يحوز على الأغلبية فى البرلمان بتشكيل الحكومة، وأن ذلك من سلطات الرئيس «بالطبع لحين انتخاب الرئيس سيكون المجلس العسكرى هو المتحكم فى تشكيل الحكومة وكأن الانتخابات البرلمانية لا قيمة لها» وفى ذلك الوقت يتهم اللواء حسام سويلم «المحسوب على المجلس العسكرى والأجهزة السيادية» حركة 6 أبريل وكفاية والبرادعى، بالعمالة فى نشرة العربية الأحد 27 نوفمبر، فى الوقت الذى يلتقى فيه المشير ورئيس أركانه عنان هؤلاء بشكل شبه دورى.
تبتعد القوى الدينية عن الصراع استعدادا للانقضاض على الحكم عبر الانتخابات التشريعية، وتتمترس القوى المدنية فى التحرير وميادين مصر بحثا عن مخرج، ويذهب الفقيه الدستورى الدكتور ثروت بدوى، إلى أن الشرعية الثورية للمجلس العسكرى قد سقطت عنه بمخالفته روح الثورة وعدم تحقيق مطالبها، إضافة إلى أن دستور 1971 الذى يستند إليه المجلس لبقائه فى الحكم سقط بقيام الثورة.
أفاض العجز لجميع أركان الدولة والنظام القديم بما فى ذلك المعارضة الدينية والمدنية، فكلاهما مرفوض من شباب الثورة، وقوى الثورة انقسمت ما بين التحرير والعباسية، وجماعة الإخوان المسلمين والقوى السلفية ما هما إلا جسد بلا عقل.
إننا أمام تضارب فى المجلس العسكرى الموقر، فهل يمهد هذا الطريق، كما تردد المصادر الغربية ، لانقلاب عسكرى أم لانقلاب دينى مدنى أم لحرب أهلية بين الجميع.