ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التى نرى فيها وثيقة اقتراحات دستورية، أو وثيقة استرشادية تريد جماعة من الناس وضعها فى الاعتبار أثناء صياغة الدستور الجديد لمصر، ومنذ شهور ونحن نرى ونقرأ ونسمع عن اجتماعات ومبادرات واقتراحات ووثائق تتضمن توصيات سياسية أو توجيهات أو اقتراحات. وكانت آخر تلك المحاولات هى وثيقة سميت بالمبادئ الدستورية للدكتور على السلمى، والتى أثارت جدلاً كبيراً، حيث رفضتها جماعة الإخوان والسلفيون والجماعة الإسلامية من حيث المبدأ، بينما ورفضتها أحزاب وتيارات أخرى وتحفظت عليها أطراف ثالثة، بسبب أنها تضمنت بعض البنود التى تعطى القوات المسلحة وضعاً مميزاً يجعلها سلطة فوق السلطات بما يتناقض مع الديمقراطية والمدنية.
الجدل يمكن أن يكون أمراً مهماً لأنه يطرح وجهات نظر جميع التيارات والاتجاهات فيما يمكن أن يتضمنه الدستور بوصفه الوثيقة الأساسية التى ستحدد موقع كل سلطة وحقوق المواطن والمجتمع الأولية التى لا يختلف عليها أحد.
وبصرف النظر عن الجدل حول الوثيقة فهذا الجدل يطرح حالة الشك المتبادلة بين التيارات المختلفة، والتى تعكسها الموافقة أو المعارضة للوثيقة، وهو شك يستند إلى التفتيش فى النوايا أكثر مما يطرح تخوفات حقيقية، فالإخوان والجماعة الإسلامية والسلفيون يحملون شكوكاً فى الليبراليين ومن يصر الإسلاميون على تسميتهم «العلمانيين» ويرون أن السلمى أو المجلس العسكرى يريدون استباق الأحداث ليضعوا مواد تطرح وجهات نظرهم وتحد من تحرك الإسلاميين.
فى المقابل فإن التيارات الليبرالية والمدنية تعبر بشكل غير مباشر عن مخاوف تجاه الإخوان والجماعة الإسلامية والسلفيين وترى أنهم يراهنون على الفوز بأغلبية تمكنهم من فرض وجهات نظرهم على الدستور، بما قد يتعارض مع مدنية الدولة. وهى اتهامات تستند إلى نوايا، وتكشف عن شكوك.
من جانب آخر أثارت المادة الخاصة بوضع المجلس العسكرى اعتراضات فيما يخص ميزانية القوات المسلحة وحق المجلس فى الاعتراض ووضع القوات المسلحة كحامية للشرعية، وقال المغترضون إن هذه المواد تجعل القوات المسلحة فوق الدولة، وطالبوا بأن تكون كل مؤسسات الدولة تحت الرقابة دون إخلال بالأمن القومى، ومراجعة ذلك مع الدساتير المشابهة.
المثير أن وثيقة السلمى سبقتها وثائق من الأزهر والدكتور البرادعى ووثيقة وقعت من أحزاب التحالف الديمقراطى فى مؤتمر الوفاق الوطنى.
القضية ليست إذن فى الوثائق وإنما فى حالة عامة من الشك تنتاب كل التيارات. الليبراليون واليسار يشكون فى الإسلاميين، وهؤلاء يشكون فى الليبراليين والعلمانيين. وحتى داخل التيار الواحد هناك شك ذاتى. وشكوك فى نية المجلس العسكرى وشكوك فى نية الدكتور على السلمى، وكل تيار يخفى خلف خطابه المعلن مطالب غير معلنة.
وبالتالى فإن الوثيقة المطلوبة هى وثيقة مبادئ إعادة الثقة وتوفير مناخ يسمح بالحوار حول المستقبل والاعتراف بأن شخصاً أو تياراً لا يمكنه وحده الانفراد بالتخطيط للمستقبل، نحن نحتاج إلى الثقة قبل الوثيقة.