الفتنة بين المحامين ورجال القضاء.. صناعة ليست مصرية ولا أعترف أن القائمين عليها يمكن أن يكونوا مصريين أو مخلصين أو هم من أصحاب الأجندات الوطنية.. كل ما فى الأمر أنهم يهوون الزعامة الوهمية وأكاذيب واردة من الغرب، ليس من بيننا من يعرف الفتنة، ليس من بيننا من يريد إشعال الحياة القضائية.. لابد أن الأمر غير مصرى.. وببساطة كبيرة أستطيع أن أقول إنها مؤامرة محكمة، هى ليست فى صالح أى من الطرفين، لأن الطرفين، المحامين ورجال القضاء هم من أشرف مهنة عرفها الإنسان، ولهم فى مصر كل التقدير لأن تاريخهم مشرف وعادل وينتمى إلى ساحة وصفت بالعدل وهناك شقان لابد أن نبدأ منهما - أولاً أن حالة التظاهرات المستمرة تشير إلى تفكير وارد علينا وليس أصيلاً، لأن هذه الاحتجاجات غير منطقية فإذا كانت التظاهرات التى انتصرت فى ثورة يناير قد أتت بما سعى إليه الشعب فإنه بعد ذلك لابد أن تهدأ الأمور ولا تتسع إلا للتفكير السديد، كان من المنتظر أن يتقدم المحتجون إلى مجموعة من الحكماء يمثلونهم ولا يزيد عددهم على خمسة أفراد يكلفون بالذهاب إلى المسؤولين وتقديم طلبات المجموع كله فى نظام سياسى وديمقراطى متطور بعيد عن التجمعات وتضييع أوقات الناس وتعطيل العمل عن طريق الاعتصامات وما يشابهها.. أما ما حدث هو المزيد من المظاهرات الفئوية التى تحولت إلى مشاهد متكررة لا تصل بنا إلا إلى مزيد من الفوضى والعشوائية.. ولكن هذه التظاهرات التى وصلت إلى الأطباء وإلى المعلمين وإلى وزارة الاتصالات وغير ذلك.
وصلت آخرها إلى طرف كان من المفترض أن يكون حكماً وليس خصماً أو بمعنى أدق قاضياً وليس متفرجاً.. فوجئنا أن هؤلاء والذين نطلق عليهم اسم الحكماء.. إنهم ينقسمون، والمفترض أن يتعانقوا فى كل المواقف وألايفترقوا أبداً.. المحامون ورجال القضاء هم كتلة واحدة وليست كتلتين هم روحان فى جسد أو هما روح فى جسد وتعاظم الخلاف بينهما كارثة.. والخصومة التى وصلت إلى أن هجر القضاة المحاكم بسبب إصرار المحامين على ذلك كارثة أكبر.
وأن يصل الخلاف إلى طريق مسدود ومشروط وتشتعل الشروط حتى تتواطأ على عصا الحرمان من النشاط السياسى، فهذا هو الفزع الأكبر - القضية لابد أن يتدخل فيها المجلس العسكرى وليس مجرد الدكتور عصام شرف رئيس مجلس الوزراء - وأنا أعرف أن الدكتور شرف يمتلك إمكانات حل الخروج من الأزمة ولا أقصد التقليل من قيمته، وأنا أشير إلى هذا الاقتراح.. ولكنى أقصد أن القضية تحتاج إلى عصمة الحاكم الأعلى للدولة الذى هو المجلس العسكرى، أما الشق الثانى من التظاهرات فهو أن قضايا الفساد فى مصر قد زادت فى الفترة التى أعقبت الثورة، وقد تجاوزت القضايا الآلاف بحيث يصعب تجاهلها أو تأجيلها أو إحالتها إلى جهات إدارية أخرى لأنها ببساطة فى كثير من الأحيان ترتبط بعضها البعض بصلات أساسية لأن خيط الفساد امتد إلى أغلب مناحى الحياة فى مصر فى السنوات الثلاثين الماضية.. ولكى نحتكم إلى الوصول إلى أرقى حالات المحاكمات والقناعة بالعدل.. فلابد أن يتصالح قطبا العدالة - المحاماة والقضاء.. وإذن الخصام الحادث حالياً ليس مصادفة ولا يمكن أن يكون مصادفة، المقصود من تلك المؤامرة التى خدعت قطبى العدالة.
هو تعطيل المحاكم وتعطيل فترة الأحكام.. وفشل مسيرة الثورة.. أنا أعرف أن الثأر بين كثير من أصحاب القضايا يستلزم تأجيلها إلى أجل غير مسمى، ما يحدث خطير لأنه يدعو إلى شلل تام فى مصر لأن الأزمة طالت القضاء، والقضاء هو صمام الأمان ولا يمكن التفريط فيه - لأن بلد بلا قضايا وبلا حماة للعدل - لا تصبح بلداً بل تخرج إلى نطاق الغابات، والفوضى اللانهائية.
القضية تحتاج إلى سرعة بت وسرعة حسم، لأن انتظارنا لا يمكن أن يطول ولا يمكن أن تستمر عمليات التصعيد السخيفة من أطراف أخرى هى ليست مستفيدة بسوى زرع الفتن فى مصر.. البلد لا ينقصه متاهات والدخول فى أزمات.. لا ينقصه أعطال أعمال.. نحن نريد أن نتحرك فى مجتمع بعيد عن الفتنة.