> انتصار وطنى وعربى كبير تحقق بقبول فلسطين عضوًا كاملاً فى منظمة اليونسكو، وهى إحدى منظمات الأمم المتحدة، هذه العضوية تحرج الأمم المتحدة التى ترفض منح فلسطين عضوية كاملة بها، وتضع المنظمة الدولية فى تناقض حاد، نعرف أن الضغوط الأمريكية شديدة وقوية لعرقلة قبول فلسطين عضوًا بالأمم المتحدة، وتقوم هذه الضغوط على حجج متهافتة، وأعجبنى تصريح وزير الخارجية الفلسطينى بأنهم سوف يذهبون إلى الأمم المتحدة عشر مرات لنيل العضوية.
> الانتصار الفلسطينى فى اليونسكو يعنى أن الخطة الإسرائيلية والفكر الصهيونى بإلغاء وجود الشعب الفلسطينى فشلت وأن إزالة اسم فلسطين من الوجود ومن الخريطة لم يتحقق، لن تتكرر مأساة الهنود الحمر ولن تعود ثانية مأساة الأندلس.. ولكن هذا ليس كافيًا، فلابد من العمل على استكمال تيار الدولة الفلسطينية ونيل الاعتراف الدولى بها، وهناك أصوات كثيرة وقوية فى العالم مع الحق الفلسطينى، سواء فى أمريكا اللاتينية أو دول عدم الانحياز، فضلاً على قطاع غالب فى أوروبا.
هذا الانتصار يعنى كذلك أنه فى العالم من يمكن أن يقول «لا» لأمريكا وإسرائيل، وأنه لا توجد قوة واحدة يمكنها أن تسيطر على العالم وتتحكم فيه، نحن فى عالم يتجه إلى تعدد الأقطاب والاتجاهات، وعلينا أن نستفيد من تلك الحالة لنيل حقوقنا وفق القانون، ما حدث يؤكد كذلك أنه برغم عنف القوة وصخبها مازال للضمير الإنسانى مكان وللحق مدافعون، بغض النظر عن الدين أو الجنس أو اللون أو الموقع الجغرافى، فالحق يعلو ولا يعلى عليه.. وهذه كلها قيم يجب أن نتمسك بها وأن ندافع عنها، وليتنا نطبقها بيننا وفى داخلنا، كى يصدقنا العالم ويتعاطف معنا حين نطالب بأعمالها فى القضايا الكبرى.
أعرف أن هناك جهدًا مصريّا ضخمًا بذلك فى المجال الدبلوماسى والقانونى لتفوز فلسطين بالعضوية المستحقة لها والتى تأخرت كثيرًا، وهذا هو دور مصر وواجبها تجاه فلسطين ليس فقط للأسباب الإنسانية والأخلاقية العامة، لكن لأن فلسطين هى الدولة الحدودية لنا، ومن ثم فهى تدخل فى باب الأمن الوطنى القومى المصرى.
لكن المؤسف فى الأمر أن هذا الانتصار الكبير لم يستقبل بما يستحق من احتفاء وسعادة فى الشارع المصرى والعربى، صحيح أن كل بلد مشغول بهمومه الآنية والكبيرة من ثورة وانتخابات وتغيير، إضافة لحكام طغاة وشهداء يقتلون يوميّا فى سوريا واليمن، وأما فى ليبيا فلم تهدأ الأمور بعد، لذا تراجع الاهتمام بالشأن الفلسطينى والقضية الفلسطينية، عشنا نقول إن القضية الفلسطينية هى القضية المركزية لكل العرب، وإن معيارًا مهمّا من معايير الوطنية هو فى مدى الانحياز للحق الفلسطينى، ويبدو أن الثورات العربية «جمدت»، ونتمنى أن يكون تجميدًا مؤقتًا ولا يتحول إلى تراجع وإهمال.. لقد أبدى عدد من الباحثين الصهاينة سعادتهم بالثورات العربية، وقرروا أن الشعوب العربية تثور احتجاجًا على الديكتاتورية والفساد ولم تثر بسبب فلسطين وما يتعرض له الفلسطينيون، والمعنى عندهم أن فلسطين ليست قضية ولا همّا من هموم الشعوب العربية، خاصة فى مصر وتونس باعتبارهما الأسبق فى الثورة.
الاهتمام الإنسانى العالمى يتزايد بالقضية الفلسطينية، والاهتمام العربى يخفت.. وبلا ضغط جماهيرى فى المنطقة لن تكون إسرائيل مستعدة لتقديم أى تنازلات فى الحقوق الفلسطينية وهى كثيرة، وبدون ضغط عالمى وإنسانى، فضلاً على الجهد الدبلوماسى والقانونى لن يتحقق تقدم كبير.
قبول فلسطين باليونسكو مجرد بداية، سواء داخل اليونسكو أو خارجها، داخل اليونسكو هناك مهمة رصد الآثار والتراث الفلسطينى الذى تبدده إسرائيل يوميّا، فضلاً على ما تبدد طوال عقود، مدن وقرى بأكملها أزيلت، مساجد وبيوت أثرية دمرت، معالم حضارية وتارخية تم العبث بها أو تزويرها.
خارج اليونسكو هناك جميع المحافل والمنظمات الدولية التى يجب أن نعمل على أن تكون فلسطين حاضرة بها وممثلة تمثيلاً كاملاً، وهذا كله ليس دور الرئيس محمود عباس «أبو مازن» وحده ولا دور الفلسطينيين وحدهم، لكنه دور العرب والأحرار جميعًا، فى أى مكان وفى كل زمان.