د. مصطفى النجار

على طريق الصبر والثبات

الأحد، 06 نوفمبر 2011 05:23 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
علمونا فى الصغر أن التضحية لا بد أن تكون بشىء غال على أنفسنا وعزيز علينا، فليس كل الناس يستطيعون التضحية والبذل فى سبيل ما يؤمنون به من أفكار ومبادئ وما يعتقدونه من قيم، ومع مسيرة الحياة يوضع كل منا فى اختبارات ومواقف لا تنتهى تجعل الناس يتمايزون وتظهر معادنهم الحقيقية ليشرق صفاء النفوس ويظهر كدر غيرها، ولا تنجح الأفكار إلا إذا وجدت من يتقنون البذل والتضحية فى كل وقت، إن التضحية تكون فى كل شىء فهناك من يضحى بنفسه وهو أعلى درجات التضحية وهناك من يضحى بالمناصب ومن يضحى بالوقت والراحة ليبذل جهده فى سبيل نشر ما يؤمن به وإيصاله للناس، لا تمضى الحياة بلا ابتلاء وتمحيص يخرج أفضل ما فى النفوس، وكذلك يخرج أسوأ ما فى بعضها الآخر، بل إن الله عز وجل جعل سنة الابتلاء كاشفة لصلاح المرء من فساده، كما قال تعالى(أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) يستطيع كل الناس أن يتكلموا ولكن لا يستطيعون كلهم أن يعملوا ما يقولونه فمجال الأفعال غير مجال الأقوال ومرحلة الفعل تحتاج إلى قوة نفسية داخلية تجعل الإنسان يقدم على الفعل والبذل والعطاء مهما كلفه ذلك من جهد وألم وصبر على ما يلقاه من صعاب فى مسار الفعل. حين تأتى الحوادث الجسام يختلف الناس اختلافا كبيرا فى تلقيهم للأمور فهناك من يجزع ويرتجف قلبه ويهرب من المواجهة ويؤثر السلامة لأن همته وعزيمته المتدنية لا تجعله يثبت حين تهب العاصفة، بل تقتلعه وتلقى به بعيدا لأن جذوره لم تكن راسخة بيقين يملأ قلبه وهناك من يقف فى ثبات وصمود لا تهزه الأحداث ولا تضعف قلبه لأن بداخله يقين راسخ بصواب ما يفعل، وقيمة ما يؤمن به ويعيش من أجله.. دائما تصنع الأحداث الرجال وتصقل خبراتهم وتقوى قلوبهم وتنقلهم لمساحات جديدة من النجاح والتقدم فى مسارات حياتهم. إن الأمم لا تتقدم إلا إذا وجدت من بين أبنائها من يعشقون التضحية ويؤثرون العام على الخاص، وفى المواقف الفاصلة التى ترسم مسارات جديدة للبشر وتحدد اتجاهاتهم تبرز قيمة الثبات والتضحية وينتظر الناس مواقف قياداتهم ورموزهم، ليسيروا خلفهم كما ساروا وقد نصح أحد الصالحين الإمام أحمد فى فتنة خلق القرآن بعد أن تعرض للسجن والعذاب الشديد، فقال له: يا أحمد إن يقتلك الحق مت شهيداً، وإن عشت عشت حميداً.. قال أحمد: فقوى قلبى، وقال له محمد بن نوح: أنت رجل يقتدى بك قد مدَّ الخلق أعناقهم إليك لما يكون منك، فاتق الله واثبت لأمر الله يستسهل بعضهم الهرب ويترك السفينة حين تحيطها الأمواج والعواصف العاتية بحثا عن النجاة يعتقد فى قرارة نفسه أنه سينجو ولكن الحقيقة أنه لن ينجو بل سيغرق وحده ولو تحمل وثابر مع رفاقه لاستطاعوا أن يبحروا بسفينتهم وسط الأمواج المتلاطمة ليصلوا إلى شاطئ الأمان.. النصر صبر ساعة. وروى التاريخ عن فارس العرب عنترة بن شداد حين جاء شاب لعنترة وطلب منه أن يعلمه الفروسية.. قال عنترة اعطنى إصبعك وخذ إصبعى.. وكل واحد منا يعض على إصبع الآخر بقوة.. فعض عنترة إصبع الشاب وعض الشاب إصبع عنترة بقوة.. وبعد فترة صرخ الشاب: كفى كفى، كدت أن تقطع إصبعى.. فقال عنترة: لو صبرت قليلا لسبقتك أنا بالصراخ، والقول كفى كفى.. اعلم يا بنى أن النصر صبر ساعة، وتبقى الأحداث كاشفة لمعادن البشر، وتبقى الخطوب ملهمة لمن يصبر ويثبت وقاصمة لمن يجزع ويفر، وتمضى خطوات الرجال بثبات لا تتوقف، بقلوب لا تعرف الخوف ولا الهشاشة النفسية أو الانكسار ويكتب التاريخ أسماء من استمرت مسيرتهم بالجد والمثابرة ويتجاوز كل من سقط وضعف واستسهل الفرار.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة