الجماهير التى تضرب وتشتم وتتوعد وتعاير بعضها بالخيانة متعصبة ولا شك فى ذلك ولكنها ضحية وطن لا يقرأ، وضحية نخبة لا تهتم بشرح التاريخ ودروسه للأجيال الشابة، وضحية تاريخ مرتبك ترويه كل فئة على حسب مزاجها وعلى حسب ما يحققه لها من مكاسب، والأمر سواء فى السياسة والاقتصاد والرياضة، والدليل أننا حتى هذه اللحظة مازلنا نشاهد معارك دامية حول سنوات جمال عبدالناصر والسادات، ونستمع إلى نفس الواقعة التاريخية، ولكن بروايات مختلفة يقولها الإخوان بشكل وأهل النظام بشكل والناصريون بشكل آخر تماما، وأهل الاعتدال بصورة تختلف عن الأولى والثانية والثالثة.
الأمر فى الرياضة كما فى السياسة تماما، الإعلام الأهلاوى لم يكتف بحكى تاريخ النادى الكبير ولكنه أحب أن يزوق التاريخ، فحول النادى إلى معقل للوطنية والزعيم مصطفى كامل، وفى نفس الوقت لم ينس أن يشير إلى أن الزمالك النادى المنافس لم يتمتع بنفس القدر من وطنية التأسيس، وفى المقابل كان الإعلام الزملكاوى يروج لمحبيه أن الزمالك هو النادى الذى قام بمواجهة الإنجليز وأشعل شرارة ثورة 1919 قبل أن تحدث بعامين، دون أن ينسى بالطبع أن يشير إلى أن النادى الأحمر لم يتمتع بنفس القدر من وطنية التأسيس.. ولكن هل الحقيقة بهذا الشكل؟ وهل من الضرورى أن يكون هناك ناد خائن وآخر شريف؟
فى التعاريف الرسمية للناديين الكبيرين لا يوجد أى شىء دال على الخيانة، ويمكنك ببساطة أن تذهب إلى الموقع الرسمى لاتحاد الكرة وتطلع على قائمة الأندية المسجلة به وتقرأ النبذة التاريخية التى يوفرها عن كل ناد مسجل به ولن تجد بها شيئا مشينا أو شيئا خارج حدود المعقول، ستقرأ كلاما مشرفا عن ناديين منذ لحظات تأسيسهما الأولى وهما يمنحان مصر أكثر من مجرد متعة الكرة، فالأهلى ولدت فكرة تأسيسه على يد عمر لطفى بك صديق الزعيم مصطفى كامل الذى وجد من خلال رئاسته لنادى طلبة المدارس العليا، وهو ناد سياسى بالأساس، أن الطلبة بحاجة إلى ناد رياضى يجمعهم لتمضية وقت الفراغ وممارسة الرياضة، وكان هؤلاء الطلبة هم الدعامة الأساسية للنضال والثورة ضد الإنجليز.
والزمالك كانت بدايته بداية حقيقة لتمصير لعبة الكرة فى مصر بفتح الأبواب أمام أبناء الطبقة المتوسطة للاشتراك واللعب، وفى 1916 بدأت فكرة الكأس السلطانية كمسابقة للأندية المصرية وأندية أسلحة قوات الحلفاء.. ورفض الأهلى الفكرة لأنه لا يود اللعب مع أندية الحلفاء ليبقى الزمالك وحده.. وفى العام الثانى للمسابقة كان الأهلى قد اقتنع بضرورة المشاركة كخطوة جديدة للمقاومة والتحدى وإثبات وجود للمصريين.. ثم بدأ الناديان الزمالك والأهلى لا يتفقان فقط على مقاومة الأجانب.. وإنما اتفقا على التنافس أيضا.