د. بليغ حمدى

لماذا يخافون الفلول؟

الثلاثاء، 08 نوفمبر 2011 10:15 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عيد الأضحى هذا العام أسفر عن تظاهرات صوتية وورقية جديدة من نوعها، فعقب الانتهاء من الصلاة وخطبتها وفرغ المصلون من تأدية نوافل الصلاة من دعاء وابتهال وتبادل التهنئة، وجد هؤلاء المصلون عشرات الأفراد الذين انحصرت معمتهم فى توزيع بعض الأوراق والمنشورات والمطويات التى لم تخرج عن حيز الدعاية الانتخابية.

الغريب أن جميع الأوراق التى تم توزيعها حملت صبغة دينية فى مجملها، وأن المرشح فلاناً جاء ليعلى كلمة الحق والشريعة، وأن المرشح علاناً هو جندى من جنود الحق، وأن هذا استخار الله فى ترشحه، وذاك لولا مقابلته لفضيلة الشيخ كذا لما فكر فى الترشح من أساسه، ورغم الصبغة الدينية التى تسيدت المشهد إلا أن العبارات كانت ركيكة لغوياً، وصياغة المفردات كانت بحاجة إلا تلميذ بالصف السادس الابتدائى لمراجعتها، وهذا ليس موضوعا جديرا بالاهتمام والذكر.

لكن الأمر الذى جعلنى وغيرى نهتم بالأوراق التى تم توزيعها، وبالأصوات المرتفعة من هنا وهناك أمام ساحات الصلاة هو حرص المرشحين على تحذير المواطنين من فتنة الحزب الوطنى المنحل وفلوله. وبلغة محلية الصنع كأن الحزب الوطنى وهو يتساقط مع النظام البائد، أعضاؤه قد صنعوا عملاً وسحراً لباقى المرشحين.

فبدلاً من أن يقوموا بعرض برامجهم الانتخابية ورؤيتهم الاستشرافية لمستقبل مصر راحوا ينددون بسياسات الحزب الوطنى ومراحل ترهله السياسى، بل تجاوز بعضهم هذه المرحلة فى النقض والهجوم إلى تحديد أسماء أشخاص بعينهم ينتمون إلى الحزب الوطنى، ومن المحتمل ترشحهم فى الانتخابات المقبلة.

وبدلاً من أن يقدم لنا هؤلاء المرشحون تصوراً لبرلمان الوطن المستقبلى، وكيف ستكون مصر بعد عام وليس بعد خمسة أعوام كما كان يصنع الرئيس السابق أخذوا فى العزف وجوقتهم مرددين أغانى الفشل الكلوى والأمراض الكبدية والمبيدات المسرطنة، وكيف كان للحزب الوطنى اليد الطولى فى تدمير حاضر ومستقبل مصر، وكأن عشرة أشهر لم تكن كافية لذكر مثالب ومساوئ ومزالق الحزب المنحل وفساد فلوله.

وبمناسبة الفلول التى لاقت رواجاً موسيقياً لدى بعض أصدقائى الخليجيين أذكرهم بأن اللفظة جاءت من فل السيف، أى أصابه التلم والتلف، وهذا هو المعنى اللغوى، أما المواضعة الاصطلاحية فتعنى القلة المنهزمة بعد نصر.

ورجعاً لمعركة الوريقات التى تم إلقاؤها على المصلين بالساحات، والتى نددت بخطايا الحزب المنحل وكيف زور، وكذب، وفجر فى خصومته، وخلف وعده، ولم يصدق، كنت أظن أن المرشحين باتوا أكثر فطنة وذكاء هذه المرة، لكنهم لا يزالون مصرين على ارتكاب نفس الحماقات الانتخابية التى من شأنها أن تكون نقطة الحسم فى سقوطهم المرتقب.

فلماذا جاهد هذا المرشح ذو الخلفية الدينية، شعاراً لا هوية حقيقية، فى تعقب أعداء الوطن قاصداً فلول الحزب المنحل، ولم يكلف نفسه البحث عن أحد الزعماء الحقيقيين لثورة مصر البيضاء أو إحدى أسر شهدائنا الأبرار كواجهة لفكره الانتخابى؟ أنا أعلم لماذا لم يفكر فى هذا، لأنه صاحب مصلحة أولاً. ثانياً لأنه ظن أن الموجة العاتية تتجه نحو الهجوم على الفلول وحزبهم وأموالهم وثرواتهم، فلماذا يتعب إذن فى الكد والبحث عن رموز وطنية أصيلة.

وأسهل شىء هذه الأيام ما يفعله مئات المرشحين من رص المساوئ والمشكلات التى يعانى منها المواطن المصرى، وليتهم بدلاً من إلقاء فشل المزارع والفلاح الذى لم يجد نظام رى صحيح أو أسمدة تعينه على عمله على عاتق الفلول، وبدلاً من أن يشهر بالمعلم الذى لا يتلقى تكريماً وتقديراً من المجتمع الذى اختصره كله فى فلول الحزب الوطنى المنحل، والشاب الذى تخرج فى ظل نظام مبارك البائد ولم يجد فرصة عمل مناسبة، وكان السب بالقطع والطبع والتأكيد واليقين هو رموز وفلول الحزب المنحل.

بدلاً من كل هذا العناء والصداع الذى لا يزال يشكله الحزب الوطنى بعقول هؤلاء الموتورين، كان عليهم أن يقدموا كيف سيعود المعلم لمكانته المرموقة؟ وكيف سيغدو الفلاح المصرى نموذجاً للخير والنماء وسط ظروف مصرية بالغة التعقيد.

لكن يبدو السؤال سهلاً بسيطاً، بل وربما قد لا يحتاج إلى إجابة من الأساس: لماذا يخاف بعض هؤلاء المرشحين من الفلول وحزبهم المنحل؟ ستجد أغلبهم يقول لك إنه لا يخاف أحداً منهم، وإنهم لا يشكلون له ولا للمصريين الشرفاء أية أهمية، ولكن قدره هو أن يحارب الفاسدين والمفسدين فى كل بقعة على أرض مصر المحروسة.

لكن ليست هذه هى الإجابة الحقيقية الشافية، الحقيقة أن بعض التيارات والقوى السياسية وليدة النشأة والظهور، وكذلك بعض الرموز التى كانت محظورة وممنوعة تعلم أن الحزب الوطنى لم يكن مجرد محطة لإيواء الفاسدين والمفسدين والمارقين والمرتزقة وهواة الرشوة والمحسوبية، بل إن منهم رجالات لا يمكن أن نتخطاهم ونحن نذكر تاريخ مصر الحديث.

هذه الصفحات المضيئة وخبرة بعض هؤلاء الفلول هى التى من شأنها أن تقلق البعض من نزاهة بعض الوجوه والرموز، وتزيد من حيرتهم فى وعيهم بالحملات الانتخابية ومن ثم التأثير فى المتلقى.

وأخيراً، للذين جعلوا جل همهم محاربة الفلول وأعضاء الحزب الوطنى المنحل الذين سيطبق عليهم العزل السياسى عما قريب، عليهم الكشف بوضوح عن برامجهم الاستشرافية، والإجابة عن السؤال المحموم، كيف سيطور برلمان الشعب هذا الوطن؟ لأنه بالفعل يستحق.











مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة