د. سعيد إسماعيل على

جامعة عين شمس بين «الترمس» و«المدمس»!

الأربعاء، 09 نوفمبر 2011 05:29 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا أقصد أبدا السخرة من كل «الترمس» و«المدمس»، فهما أكلتان شعبيتان متجذرتان فى أجسادنا سنين طويلة، وأكد لنا الأطباء فوائدهما الجمة، ولكننا نستند إلى قياس الكلام البليغ، الذى هو: مناسبة الكلام لمقتضى الحال، وبالتالى فلو أن واحدا أو اثنين منا خرجا «يتمشيان» على النيل، ساعة «عصرية»، سيصبح أكل الترمس مناسبا، وعندما يتناول معظمنا فى المنزل أو فى المطعم وجبة فول مدمس، فسيساعد هذا على تزويد الجسم والعقل بطاقة عمل وتفكير جيدتين.
ومن الأفكار المتداولة بين كثير منا، وفى الكثرة الغالبة من الأمم، خاصة المتقدمة، أن التعليم إذا كان قاطرة النهوض الحضارى، فإن الجامعة هى نفسها الجزء المتقدم من هذه القاطرة، وبالتالى فمن شأنها أن «تقود» حركة التطور المجتمعى، بفضل ما تملكه من أعلى مستويات المعرفة، وأكثر القوى البشرية علما وقدرة على التفكير المتعمق والتحليل الدقيق.
من هنا تعمدت البلدان الواعية، عند إنشاء جامعة جديدة، أن تختار لها موقعا يبعد عن مناطق العمران والتكدس السكانى، لأنها بعد فترة قصيرة «تشد» إليها حركة تعمير ونهوض تعين على مزيد من التحضر.
لكن عادتنا المؤسفة التى دفعتنا، آلاف السنين إلى أن «نتكوم» حول رقعة ضيقة حول النيل متزاحمين، دون أن نسعى إلى أرض الله الواسعة فى مصرنا، هى التى دفعتنا أيضا إلى أن ننشئ الكثير من الجامعات، وسط مناطق تكدس سكانى، فإذا بوظيفة الجامعة، تنعكس، فبدلا من أن «تُحَضّر» المنطقة التى فيها، «تتريف» - نسبة إلى الريف - هى، وهو المسار الذى اتخذناه بصفة عامة، فالشح القاتل لمشروعات التنمية فى المحافظات المختلفة، وخاصة خارج العواصم الكبرى، جذب ملايين الناس إلى المدن، وبدلا من أن يغزو التحضر أريافنا، غزت «الريفية» مدننا، لا فى جوانبها المضيئة، ولكن فى عشوائيتها وفقرها الثقافى، «فتريفت» المدن، ولم تتحضر «الأرياف»!!
ووسط الفوضى الضاربة فى أنحاء مصر منذ شهور، كنت قد حمدت الله ألا تصافح عينى، صباح كل يوم، سيارات الأمن المركزى المصفحة التى كانت تحيط بالجامعة، لكن، فيما يبدو «جدت الحزينة تفرح ملقتش لها مطرح»، وإن كان البديل ليس مرعبا أمنيا وإن كان مخيفا حضاريا.
فعندما آتى متجها إلى مكتبى خلف جامعة عين شمس، فأول ما يصافح عينى، بداية شارع الزعفران، على رصيف الجامعة، عربة فول، يتحلق حولها جمع غفير من البسطاء يتناولون فطورهم، واقفين، وصاحب العربة، يمد بالأطباق بعد غمسها فى جردل على الأرض ليغسلها!!، مع بعض «فحول» البصل المصاحبة لأكل المدمس!
أما عند باب الجامعة مباشرة، فعربة يد، عليها كوم من الترمس، ووسطه «برج» يرتفع بقراطيس من ورق الجرائد أو الكراريس المستعملة، ويصاحب هذا «قلتان» أو ثلاث قلل «قناوى» لزوم الشرب!
إن محال السندويتشات السريعة من الهامبرجر الأمريكانى سيئة فى قيمتها الغذائية، والترمس والفول يفوقانها قيمة ونفعا، لكننا نتحدث عن «الطريقة» و«البيئة الحاضنة» فى العرض والأكل.. إنها تعكس مدى التحضر والترقى فى السلوك الاجتماعى، والذى يعكس بدوره مستوى معينا من التفكير.
الغريب فى الأمر، أن كل كلية جامعية مصرية لها «وكيل كلية» لشؤون خدمة المجتمع، وكل جامعة لها «نائب رئيس جامعة» للغرض نفسه، ولو تمشى وكلاء كليات جامعة عين شمس، ونائب رئيسها بضعة أمتار، فى المنطقة المجاورة تماما لشاهدوا «الماعز» أو «الخراف» فى بعض الحوارى، وأكداس «البرسيم» لزوم غذائها، ودجاج «سايب» يجرى هنا وهناك، و«أزيار» قناوى للماء، وطاسات ضخمة سوداء لقلى الطعمية وسط الغبار، ودون أن تعرف النظافة طريقا إليها.. إلى غير هذا وذاك، فإن لم يكن هذا ضمن خدمة المجتمع، فماذا يندرج ضمنها؟ لقد كتبنا عن هذا عام 2004، ووعد رئيس الجامعة وقتها بالتحرك، وإلى الآن، وقد تغير الرؤساء، ما زال الحال كما هو عليه، لأن العيون المسؤولة ما زالت محصورة، فى الشارع الأمامى الكبير اللامع النظيف، ذى المنشآت المتقدمة؟، «الخليفة المأمون»، الذى لو بعث حيا، لطلب العودة إلى القبر، حتى لا يموت حسرة على جزء من منطقة أضاءت بحضارتها أنحاء العالم قرونا، ثم ضيعها أبناؤها!





مشاركة




التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

mahmoud

فيادات الجامعة مشغولة باشياء احرى

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة