فوز حركات وتنظيمات الإسلام "السياسى" فى الانتخابات التشريعية، وعلى رأسهم "الإخوان المسلمين" أمر بديهى ومتوقع، ومنطقى أيضا، حيث أتت الانتخابات مباغتة لجميع التشكيلات السياسية الأخرى، القديم منها والحديث، وليس هناك سوى الفصيل الإسلامى بمختلف أطيافه وتشكيلاته من يملك قواعد شعبية منظمة، أو له حضور فى الشارع من قبل الثورة، وإن كانت هذه القواعد وهذا الانتشار ليس بالحجم الذى يصورون أنفسهم به، ولا كما يتصوره البعض، ومن البديهى أنه ليس كل من أعطاهم صوته عضوا فى تنظيماتهم أو ينتمى لتياراتهم، بل نسبة ضئيلة منهم فقط الأعضاء، والباقون من المتعاطفين دينيا لا أكثر ولا أقل، خاصة أن أصحاب هذا التيار صوروا كافة التيارات والقوى الأخرى للناس وكأنهم كفرة وعلمانيين وضد الإسلام.
فى مصر، قبل الثورة بالتحديد، لم يكن هناك على الساحة أية قوى سياسية سوى الإخوان المسلمين، بينما احتوى نظام مبارك كافة التنظيمات والأحزاب السياسية وحولها إلى مكاتب خاوية تتصارع داخلها شلل وأفراد، ولم يكن لها أية قواعد أو تواجد فى الشارع المصرى.
ونتذكر عندما تولى أنور السادات الحكم فى مصر عام 1971 واجه معارضة قوية من اليساريين، فاستعان بالإخوان المسلمين وأعادهم للحياة السياسية ليضرب بهم اليساريين، أما مبارك، الذى لا يختلف اثنان على أنه الأقل وعيا بالسياسة من كل من حكموا مصر قبله، فقد استطاع بالاستعانة برجال المال والأعمال أن يحتوى اليسار المصرى بكافة طوائفه، وساعده على ذلك تشتت اليسار وتفككه بعد انهيار الاتحاد السوفييتى وتراجع التوجهات القومية فى العالم العربى، ولهذا لم يبق سوى الإخوان المسلمين الذين خرجوا من كهوفهم وعادوا من منفاهم، المملكة السعودية، التى هربوا إليها فى الستينات وجمعوا فيها ثروات كبيرة، لينفردوا وحدهم بجبهة المعارضة ويتلقوا دعما خارجيا كبيرا، حتى من الغرب الذى كان يدعم نظام مبارك ويحميه، وخيوط التواصل بين الإخوان المسلمين والغرب قديمة ومعروفة ولم تنقطع على مر السنين، ومازالت مستمرة حتى الآن، حتى لو أنكروا هم ذلك، ونذكر عندما كان أمن مبارك يلقى القبض على معارضين يساريين لم نكن نسمع أى ردود فعل فى الغرب الذى كانت منظماته لحقوق الإنسان تصعد حملاتها عندما كان يلقى القبض على أحد من الإخوان المسلمين.
أيا كان الأمر، فإن تفوق وفوز التيار الإسلامى السياسى بالأغلبية فى البرلمان لا يزعجنا، بل نعتبرهم "سيئى الحظ"، لأنهم بذلك وضعوا أنفسهم فى ورطة كبيرة وفى اختبار أقوى بكثير من إمكانياتهم، وأى فصيل يطمح للانفراد بالسلطة فى هذا التوقيت ويجرؤ على تحمل مسئولية هذه التركة الثقيلة الأعباء ليواجه وحده هذا الكم الهائل من المشاكل المعقدة فى كل مكان ومجال، لا شك أنه يُقدم على الانتحار السياسى ويضع نهاية مستقبله بيده، فما بالنا بتيارات سياسية ليس لديها أية خبرة بالحكم ولا أية برامج تنموية، ورصيدها السياسى غامض ومبهم ولا يحتوى على أية إنجازات، والإخوان المسلمين بالتحديد، منذ ظهورهم فى مصر فى العشرينات من القرن الماضى، لم يسبق لهم أن طرحوا أية برامج أو خطط عمل تنموى، واعتادوا على العمل السرى أو التواجد فى جبهة المعارضة، ولم يصلوا للسلطة من قبل، ولم يطمحوا لها، وليس لديهم برامج عمل وخطط واضحة ومحددة لتسيير الحكم، ومن التضليل القول بأن فوزهم فى الانتخابات نتيجة لأية ثقة شعبية فيهم، فالثقة لا تأتى إلا بعد التجربة، لكنها مسألة تعاطف ومشاعر دينية وغياب كبير للوعى السياسى لدى جموع الشعب المصري، هذا الوعى الذى بدأ فى طور التشكل ببطء واضح بعد ثورة 25 يناير، لكنه يحتاج لسنوات طويلة حتى يبلغ النضوج.
نحن على يقين من فشل الإخوان المسلمين فى تحقيق أى تقدم أو إنجاز فى الفترة القادمة بالتحديد، وهم يعلمون جيدا أن الشعارات التى اعتادوا على رفعها لا تسمن ولا تغنى من جوع، وأن الناس ليست بحاجة لمن يعلمهم أمور دينهم ويرشدهم للصراط المستقيم، ويعلمون أيضا أن غالبية الشعب أكثر إسلاما وتدينا، حتى من الكثير من قادة تنظيم الإخوان المسلمين أنفسهم الذين لم يشهد لهم أحد من قبل بالمرجعية الدينية ولم نسمعهم يتحدثون قط فى الدين، وبالتالى فالمطلوب هو التعامل بواقعية وبشكل مباشر مع مشاكل الجماهير الحياتية، ومع قضايا الوطن المصيرية، وهذا هو الاختبار الذى لم يُعد الإخوان أنفسهم له طيلة سنوات عملهم التنظيمى السري، الذى كان من أهم قواعده ومبادئه "عدم الوصول للسلطة" لا للرئاسة ولا للحكومة، وهذا ما أعلنوه صراحة مرارا وتكرارا، لأنهم تأسسوا ونشأوا ليعملوا كأداة ضغط على السلطة وليس كوسيلة للحصول على السلطة، وهذا ما يفسر رفض قيادات التنظيم مبدأ الترشح للرئاسة أو تشكيل حزب سياسى يسعى للحصول على الأغلبية فى البرلمان، وهذا هو أيضا سبب الخلافات المشتعلة الآن داخل التنظيم، خاصة بين الكهنة الكبار من قيادات التنظيم الذين يملكون وحدهم مفاتيح الأسرار وشئون العلاقات الخارجية ومصادر التمويل للتنظيم، وبين الجيل الجديد الذى قضى سنوات شبابه بين مطاردات الأمن وسجون النظام، وخرج الآن ليكتشف الهوة الكبيرة بين الشعارات التى يرفعها قادة التنظيم وبين التطبيقات والممارسات على أرض الواقع، هذا الصراع الذى ظهرت بوادره فى الشهور القليلة الماضية، ونعتقد أنه سيزداد اشتعالا فى المستقبل القريب، وليس من المستبعد أن ينضم إلى هذا الصراع باقى طوائف التيار الإسلامى السياسى من سلفيين وغيرهم.
• نائب رئيس مركز الدراسات السياسية بجريدة البيان الاماراتية.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصري
افلام افلام
عدد الردود 0
بواسطة:
م أنور فرفور
تحميل ..وليس تحليل!!
عدد الردود 0
بواسطة:
مهندس حسام
الاخوان وسعادة الفوز
عدد الردود 0
بواسطة:
ماهر مراد
هو مين الاخ الكاتب ده
صباح الخير يا استاذ ... هو مين حضرتك
عدد الردود 0
بواسطة:
مصطفى عوض
خليكوا في الكلام بس .. وهم في الشغل والتخطيط لمستقبل الوطن مركزون
عدد الردود 0
بواسطة:
مصري بجد
الفجر الباسم
عدد الردود 0
بواسطة:
وائل مكرم
هايل يا أستاذ
عدد الردود 0
بواسطة:
Mostafa Mohamed
المسئولية على الجميع
عدد الردود 0
بواسطة:
د.زياد
مقال كوميدي جدا
عدد الردود 0
بواسطة:
عاصم شحاته
سطحية