بعث الله أنبياءه بالحق، لكنه جل وعلا أردف بكل نبى نبيا حتى يطهر رسالة سلفه مما يلحق بها من افتراء، وللأسف كان القائمون على هذا التشويه بعض المنتسبين إلى هذه الديانات من القائمين عليها من الأحبار والكهنة، الذين وصفهم رب العزة بأنهم «يشترون بآيات الله ثمنا قليلا»، لكن اختيار الله للإسلام كدين خاتم يدل على أنه سبحانه وتعالى ضمن له عدم التشويه، فهل تخلص البشر من نواياهم المشوهة؟ أم أنه حفظه ووضع به ما يعصمه من التشوه؟ هذا ما بدأت فى مناقشته بالأمس، واليوم نكمل.
ولو شاء الله لأرسل رسالة واحدة ليغنى بها الناس عن الشتات، لكنه كان كلما يرسل رسالة يجتهد المسيئون لناموسه فى التحايل على قدسيتها، لينتزعوا القداسة لأنفسهم، ولذلك جرد الله نبيه الكريم محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم من أى شبه قداسة، وعاتبه فى أكثر من موضع فى القرآن، وكذلك جرد أصحابه من هذه الصفة، ولهذا وعى رسولنا الكريم الدرس وعلمه لأصحابه بأن شاورهم فيما ينوى، بل قال لهم فى حديثه الشريف «أنتم أعلم بشؤون دنياكم» ليطلق يدهم فى اتخاذ ما يرونه مناسبا، وليصبح الإسلام دينا ودنيا ولكى لا يقع المسلمون فى حيرة من أمرهم كلما جد جديد، ولهذا جعل تسيير الأمور الحياتية بما تقتضيه المصلحة والضرورة حكما إسلاميا، بدلا من أن يتشتت الناس فى أمورهم المستحدثة، ويظنون أنفسهم خارجين عن الدين والسنن.
نزل الرسول على رغبة أصحابه حينما قبل فتاواهم فى أمور السلم والحرب، وكذلك انحنى الصحابة المكرمون أمام آراء المخالفين حينما قال أبوبكر الصديق «إن أحسنت فأعينونى وإن أسأت فقومونى»، بينما قال عمر: «أصابت امرأة وأخطأ عمر». وحينما أبطل حد الردة لانتشار المجاعة، ومنع عن المؤلفة قلوبهم ما كانوا يأخذونه من بيت المال، لم يقم وزنا لمخالفيه الذين اعتبروا ذلك مخالفة لنص القرآن، ولما وعى الفقهاء الأوائل ذلك أبوا أن يجعلوا مذاهبهم دينا جديدا كما فعل الإمام مالك حينما رفض عرض الخليفة بأن يعمم مذهبه على المصائر الإسلامية، وهو القائل «أهل مكة أدرى بشعابها»، ولم يجد الإمام الشافعى رضى الله عنه حرجا فى أن يغير من آرائه الفقهية وأن يعيد كتابة كتبه من جديد حينما أتى إلى مصر وسمع ما لم يسمع ورأى ما لم ير.
كل هذا يدل على أن الله جل وعلا وضع فى الإسلام ما يجعله الدين الخالد والكلمة الفصل ولم يكن فى حاجة ليبعث رسولا آخر ليطهر الإسلام مما يلحق به لأنه جعل التجدد والتفكر والمرونة أساسا من أسسه، فهو ثورة مستمرة، يحارب التحجر مهما علا صوته، ويجعل من العقل حارسا أمينا على أسراره وطرائقه، ولذلك أغنانا الله جل وعلا عن تقديس الذين يريدون أن يحنطوا الإسلام فى ثلاجة القرن الثالث الهجرى، ثم تاجروا به ليشتروا أصواتا انتخابية زائلة.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
astakoza
مقال رائع كالعادة
شكراً ياسمرى
عدد الردود 0
بواسطة:
مواطن
من قال لك أنهم يتاجرون بالإسلام من أجل الإنتخابات ..؟
عدد الردود 0
بواسطة:
ســعيد مـتولـى
زدنـا يا شــيخ وائل
عدد الردود 0
بواسطة:
boudy
تصحيح خطا
عدد الردود 0
بواسطة:
مني
تعليق رقم 3
عدد الردود 0
بواسطة:
العنود من السعودية
مقال جميل
عدد الردود 0
بواسطة:
يحيي رسلان
الشيخ السمري
عدد الردود 0
بواسطة:
مسلم حر
كلام جميل كلام معقول مقدرش اقول حاجة عنه.
عدد الردود 0
بواسطة:
انشر
الثابت والمتغير في الإسلام