إنه: (المخلِّص الذى أتى من بعيد، على حصان «نوبل» محمولاً بأجنحة سمعته الدولية الطيبة، لينقذ مصر من شبح التوريث، ومن مشكلاتها الكثيرة السياسية).. هكذا رسم المفكر الدكتور «يوسف زيدان»، مشهد حفاوة المصريين بقدوم الدكتور «محمد البرادعى» إلى مصر، تمهيداً لثورة لم تكن قد قامت بعد. «زيدان» كان يحاول تحرير العقل المصرى من أوهام «المنقذ»، ويحث الناس على «الحركة».
ما نشره زيدان «فكراً» جعله البرادعى «فعلاً»، كانت تغريدة واحدة منه على «تويتر» تحرك المجاميع، ولقاء تليفزيونى يحرك القوى السياسية التى شاخت داخل أحزاب كرتونية.. أخيراً تجمعت القوى السياسية المتنافرة على قلب رجل واحد اسمه الدكتور «محمد البرادعى».
لم يتاجر «البرادعى» بالأمل، بل أوقظ الأمل فى ملايين العقول التى كانت تتابع ثورة «تونس».. وكانت مشكلة «البرادعى» التى يعانى منها حتى الآن، أنه لا يجيد «الخطاب الحنجورى»، وهو ما فسره البعض بافتقاده لـ«كاريزما» تنقله لقصر العروبة!.
الرجل يخاطب البسطاء بلغة لا تفهمها الشعوب المتعطشة للديموقراطية، يطالب الشعب بإعلان «العصيان المدنى» فى عز سطوة «فرعون» على مقاليد السلطة.. والغريب أن الناس التى لم تحركها الأحزاب التقليدية، استجابت للبرادعى!. لم يعد اسم «البرادعى» مقصوراً على «النخبة»، نزل إلى الشارع والتف حوله الجميع.
أثناء الثورة تندرنا على عزوف «البرادعى» عن نزول الميدان، حتى لا يسرق الأضواء من الشباب، وبعد الثورة – يوم الاستفتاء على الدستور - استقبلته أحجار غاضبة من مواطنين خلطوا الكفر بالليبرالية، وسلموا أدمغتهم لجهاز أمن الدولة السابق، وبعد أن تم غسيل أدمغتهم وتعقيمها «أمنياً» سلموها لمن يحركها مثل عرائس «الماريونيت» باسم الدين والسعى لتطبيق شرع الله!.
انفصل الشارع نفسياً عن «البرادعى»، أو لنقل لم يكن لدى المواطن اختيارات وبدائل، وحين أطل «الحرية والعدالة» أصبح «البرادعى» وكل دعاة الدولة المدنية (كخ)!!.
مشكلة «البرادعى» - فى رأيى - أن له وجها واحدا فى زمن «أقنعة» تتصارع على تقسيم الوطن بعد الثورة.. إنه «حالم» فى قلب دراما واقعية جداً!.
الشباب الذين راهنوا عليه وتحركوا خلفه، يغتالون بالخرطوش والغاز فى ميدان التحرير... بينما «القائد الملهم» يتعامل برومانسية شديدة فى عالم السياسة القبيح، فيكتفى مثلا بإعلان غضبه من توقيع كشف العذرية على شابة صعيدية بعد الثورة، وهذا «الأداء» لا يلبى حركة الشارع التى تطالب بسقوط حكم العسكر.. أو منظمات أهلية، تسأل المشير «حسين طنطاوى» عن أرواح شهداء «محمد محمود».. اختار الشارع بوصلته، وعزل قيادات كثيرة ربما يكون من بينها «المخلص»!.
فى حواره مع الإعلامى «مجدى الجلاد» قال الدكتور «البرادعى» (فى حالة اختيارى رئيساً للجمهورية، سوف أقوم بعمل أول مؤتمر صحفى من عشوائية «إسطبل عنتر»، التى كانت أول عشوائية قمت بزيارتها).
لكن العشوائيات اختارت من يمثلها فى البرلمان، من يشترى صوتها وصمتها بكيلو لحم أو أنبوبة بوتاجاز (!!).. وهكذا ذهبت الأغلبية إلى الإخوان ومن بعدهم السلفيين!.
نحن فعلا لا نتجاوز 10% من الشعب المصرى، نتحدث عن مجلس رئاسى مدنى، والمجلس العسكرى الحاكم يسحب البساط من تحت أقدامنا بمجلسه الاستشارى، نراهن على الأحزاب، والأحزاب بعضها يتحالف مع «الفلول» لدخول مجلس الشعب.. والبعض الآخر يقدم فروض الطاعة والولاء للمجلس العسكرى، ليصبح شريكاً «بدرجة ما» فى مرحلة الحكم الانتقالى!.
وكأن قدرنا أن نظل على يسار كل سلطة من «مبارك» إلى «المشير»، أن نورث كتركة ثقيلة ألقاها المجلس العسكرى فى حجر «الجنزورى»!!.
إنه شكل آخر من «توريث السلطة»، لم يستشرنا فيه المجلس العسكرى، فى وقت خفت فيه صوت «البرادعى» وأمثاله.. وضاعت صرخات الثكالى والأرامل فى ضجيج إعلام متآمر.
لقد جاءنا «المخلص» وقدم لنا نظرية الحرية.. لكننا أخطأنا فى أسلوب التطبيق.. وسندفع ثمن الديمقراطية غاليا، ليصل الحكم ليد من يدعون أن الديمقراطية «كفر» والعياذ بالله!!.