«يُحكى أن جسدًا أصيب بخلية سرطانية واحدة تهاونت أجهزةُ المناعة فى محاربتها وتركت لها المجال كى تتكاثر وتنمو، استفحلت الخليةُ وصارت ورمًا ونما الورمُ وتكاثر، ثم أرسل أورامًا صغيرة إلى الرئتين والكبد والعظام، وحين بدأ الجسدُ فى الشعور بالإنهاك دعا إلى عقد اجتماع تحضره كلُّ خلايا الجسم، السليمة منها والمريضة، فى الاجتماع طالبت الخلايا السليمة: بـ «العلاج أولاً» فى حين قالت الخلايا الخبيثة إنها تمتلك الكلمة العليا؛ بما أنها تمثّل الأغلبية، وبناء عليه فهى تطالب بالغذاء أولاً استشعرت الخلايا الصحيحة الخطر فهى محاطة بالخلايا المريضة من كل جهة ومطلب «الغذاء أولاً» يعنى مزيدًا من النمو والتكاثر للخلايا المريضة ومن ثم القضاء على أى أمل فى النجاة، كان الجميع فى انتظار رأى «المخ» فى هذه المسألة الخطيرة، ولكن المخ الذى كان مُحاطًا الآن بالخلايا الغازية من كل جانب أفتى بأن الديمقراطية تعنى رأى الأغلبية؛ وبما أن الخلايا السرطانية تمثّل الأغلبية الآن؛ وجب على الجميع الانصياع لما تقول، كان رأى القلب، وكان الأكثر معاناةً، والأكثر حكمة لحظة غياب المخ، أن الديمقراطية بهذه الطريقة إنما هى ديمقراطية «ديسبوزيبل» Disposable ديمقراطية ستُستخدم لمرة واحدة، ثم تُلقى فى القمامة، بعد حصد ثمرتها! وبهذا ستتوغل الخلايا الخطيرة أكثر وأكثر لتنعدم فرصُ النجاة، وإذا بخلايا الدمار تردُّ عليه متهكمة: وأين كنتَ أيها القلب الحكيم طوال الوقت؟! ألستَ أنت مَن أمددتنا بالدم والأكسجين والغذاء منذ البداية؟ ألم نكن نـُفضَّل عن بقية الخلايا، فنحصل على النصيب الأوفر من الغذاء؟! هل تُنكر أنك فعلت ما فعلت لأنك تؤمن أنه أمرُ الله ومشيئته؟! تجاهل القلبُ السؤالَ الماكر؛ إذ وجد أنه لا طائل من وراء مناقشة خلايا غبية لا تدرى من أمرها شيئًا، فاللهُ فى الحقيقة لا يأمر إلا بخير، والخلايا الخيّرة لا تحتاج أن تدافع عن سلوكها بترديد ذكر اسم «الله» فى كل لحظة؛ لأنها بسلوكها الخيِّر والسليم إنما تمثل الإرادة الإلهية الطيبة خير تمثيل، أما الأشرار فهم الذين يحتاجون إلى غطاء حتى لا يرى أحدٌ هول الشر فيما يفعلون؛ لذا تجدهم فى كل دقيقة يتمحكون بالإرادة الإلهية التى لا يدرون عنها شيئًا، هنا تدخلت العظام، فعلقت وهى تئنُّ من الألم: الديمقراطية نظامٌ لا يسمح للخلايا الشريرة بأن تتحكم بالجسم حتى وإن نجحت فى خداع بقية خلايا الجسم وانفردت بالسلطة، فعلينا أن نحرص على أن يظل الجسمُ قادرًا على لفظها فى أية لحظة، بمجرد أن يتبين خطرُها عليه، لم يُعجب منطقُ العظام الخلايا المُهلِكة التى انتشرت أكثر وأكثر، فعلّقت على طرحه قائلة: إن انتشارنا تمَّ بموافقة الجسم نفسه، ولاتنسىْ أيتها العظام أنكِ كنت تحمليننا من مكان لمكان، وعندما أرسلنا رُسلنا لنحتلَّ الأماكن الاستراتيجية فى كل أعضاء الجسم لم تعترضى! بل إننا احتللنا مواقعنا بداخلك أنتِ أيضًا أيتها العظام.
استمر الجدلُ البيزنطى بين الخلايا الخبيثة وأعضاء الجسم المختلفة ولم يحسم الجدالَ إلا قرارٌ «سرطانىّ» بالدعوة إلى تظاهرة «بليونية» تتحرك من الموقع الأول الذى احتلته، إلى المخ مباشرة.
وكان أن انهار المخُّ، وأصيبت العظامُ بالوهن فانكسرت بفعل توغّل الخلايا الخبيثة التى احتلتها فجعلتها أوهى من فطائر العجوة، واحتكرت الخلايا الشريرة كل الطعام، وبدأت فى نشر الدمار فى جميع الأعضاء، ولحظة صار الجسدُ فى طريقه للفناء هتفت خلاياه الطيبة: هل أنت سعيدة الآن أيتها الخلايا الخبيثة؟ إنما حكمتِ علينا وعلى نفسك بالموت!
ردت الخلايا الخبيثة: لم أحكم على أحد بالموت، إنه حكمُ الله!».
قصة للأستاذ الدكتور: «محمد وجيه» طبيب وأستاذ محاضر بكلية الطب فى ماليزيا أرسلها لى بالإيميل لنشرها بعمودى بـ «اليوم السابع».
Disposable: شىء يُستخدم لمرة واحدة، ثم يتم التخلص منه، مثل الحقن البلاستيك.