محمد محمود مهدى

لا تفسدوا فرحتنا بالانتخابات

الثلاثاء، 13 ديسمبر 2011 09:17 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لمْ تمُـرَّ الدولة المصرية على مدار تاريخها القديم والحديث سوى بتجربة انتخابية واحدة أو اثنتين شبيههٌ فى بعضٍ منها بالتى تعيشها الآن، وذلك من حَيْثُ درجة «النزاهة» وتوفير «الأمان» عند تصويت الناخبين، وأيضًا الإقبال الجماهيرى على صناديق الاقتراع، بخاصة فى الجولة الأولى 28-29 نوفمبر الفائت، والذى احتفت به مجلة نيويورك تايمز الأمريكية، قائلة إن (المصريين اصطفوا كنهر النيل تمامًا فى طابورٍ طويل، حتى يعطوا الحياة لمصر).

ورغم الاحتفاء العالمى بنزاهة أولى تجاربنا الديمقراطية، فإن العملية الانتخابية بكامل مفرداتها لم تسلم من دعاة التشكيك، الذين استغلوا قلة حضور الناخبين فى جولة الإعادة يومى 5- 6 ديسمبر (بلغت نسبة التصويت حوالى 30%)، ليمارسوا دورهم المُحبط بإفساد الفرحة الأولى بالديمقراطية ويحولوا شعارها من «مصر تنتخب» إلى «مصر تنتحب»!!
والجدير بالقول، إن ذهاب الناخبين فى جولة الإعادة لم يكن بنفس السوء الذى روج له هؤلاء المشككون، فالقراءة المتأنية لمشهد الإعادة تُفرز أسبابًا عدة كانت وراء قلة ذهاب الناخبين كـ(انخفاض عدد المرشحين على المقاعد الفردية، وبالتالى قلة المناصرين، وغياب القوائم فى جولات الإعادة، وكذلك انحصار المنافسة بين أحزاب بعينها)، ولكنهم فيما يبدو اختزلوا ذلك كله فى سبب آخر ألا وهو الخوف من صعود الإسلاميين الذى حسب رؤيتهم أشعر الناخبين بالإحباط فجعلهم يحجمون عن المشاركة!!

بيد أن الحدث الانتخابى الذى تعيشه «مصر» فى اللحظات الراهنة يدعو إلى التفاؤل، وذلك لسببين، الأول: أن هناك إدراكًا ووعيًا سياسيًا بأهمية المشاركة قد تشكل لدى نسبة كبيرة من المصريين تُرجم فعليًا بالذهاب إلى الصناديق، والثانى: استمرار الثورة، ولكن مع إضافة أداة ضاغطة جديدة موازية «للميدان»، وهى «البرلمان»، الذى أفرزه الشعب وفقًا لاختياراته الحرة النزيهة.

والمثير أن هذه الأصوات والأقلام التى لم تأخذ على عاتقها سوى التقليل من شأن العملية الانتخابية، والادعاء بأنها غير حقيقية بل ومزورة فى بعض الأحيان، والتشكيك فيها متكئين على مجموعة من المخالفات والتجاوزات التى حدثت بالفعل ولا يمكن أن نتجاهلها أو نُنكرها، ولكنها لا ترتقى إلى حد بطلان العملية الانتخابية، كما يدعون!!

وما توصلت إليه المنظمات الدولية والمحلية المنوط بها مراقبة الانتخابات البرلمانية فى مصر، خير رد على هؤلاء بأن أولى تجاربنا الديمقراطية سليمة ونزيهة وناجحة، فمنظمة العفو الدولية والتى لها باع طويل فى رصد الانتهاكات والتجاوزات حول العالم وعلى لسان «سعيد الحدادى»، رئيس فريق المنظمة المُرسل لمراقبة الانتخابات المصرية، قال ما يُفيد بأن (المنظمة لم ترصد أى انتهاكات فى الانتخابات، وبالتالى فهى ليست بحاجة إلى إصدار تقرير)، ناهيك عن باقى المنظمات الأمريكية والأوروبية والتركية والأفريقية التى تُراقب الانتخابات من خلال 300 مراقب أكدوا جميعهم نزاهة العملية الانتخابية فى الجولة الأولى والإعادة.

وأغلب الظن، أن حملة التشكيك فى الانتخابات جاءت بهذه الضراوة بعد غلبة التيار الإسلامى بشقيه الإخوانى والسلفى وحصادهم لعدد كبير من مقاعد الجولة الأولى، وذلك رغم عدم اكتمال باقى الجولات فمازلنا فى انتظار نتائج الجولة الثانية والثالثة، كما أن الجولة الأولى بقراءتها الدقيقة والموضوعية تُعبر بجانب غلبة التيار الإسلامى على التنوع المطلوب، فهناك على مستوى المقاعد الفردية حصاد غير الإسلاميين للعديد من المقاعد ومنهم على سبيل المثال لا الحصر (عمرو حمزاوى ومصطفى النجار، والبدرى فرغلى، إلخ)، وعلى مستوى القوائم حقق تحالف الكتلة المصرية فى المرحلة الأولى إنجازًا حقيقيًا رغم عمره القصير جدًا، وأيضًا هناك العديد من الشخصيات العامة غير المنتمية للتيار الإسلامى كانت رءوس قوائم فى حزبى الحرية والعدالة والنور ودخلت البرلمان كـ( المستشار محمود الخضيرى والدكتور وحيد عبد المجيد، وغيرهم الكثير).

إذن فلا داعى للتشكيك فى التجربة التى أبهرت العالم أجمع لمجرد صعود الإسلاميين، فدعونا نفرح بالتجربة لنقودها للنجاح حتى النهاية، فطالما الإجراء الديمقراطى أى «الصندوق» باقٍ لم ينته فلم التخوف، فالصندوق الذى أتى بالإسلاميين اليوم قد يأتى بغيرهم غدًا.

والتخوف من استئثار الغالبية فى البرلمان باختيار لجنة المائة لإعداد دستور جديد للبلاد أمر مشروع وقابل للنقاش، ولكن غير المقبول هو التشكيك فى الإجراء المتبع والقول بأنه «بدعة مصرية»، وذلك رغم أن أغلب دول العالم اتبعت نفس النهج المصرى فى كتابة دساتيرها، ففى دراسة بجامعة «برينستون» الأمريكية لنحو 200 دستور حول العالم تمت صياغتها فى الفترة من 1975م وحتى 2003م، تبين أن 42% من هذه الدساتير تم صياغتها من قبل البرلمان المنتخب، و9% تم صياغتها عبر هيئة تأسيسية معينة من قبل البرلمان أيضًا.

وعليه يتعين على الجميع اليوم القبول بالانتخابات ونتائجها وعدم التشكيك فيها، وأن يحترموا «الصندوق»، ذلك الإجراء الذى لابد من استمراره طوال السنوات القادمة، والابتعاد عن بلبلة الرأى العام وإحباطهم بـ«مكلمات فضائية»، فالوطن لا يحتاج إلى مثل هذه «المكلمات» بقدر ما هو بحاجة إلى من يوعى مواطنيه بالتصويت وأهميته فى الانتخابات.. فلماذا لا توجه النخبة بمختلف تياراتها أقلامهم وأصواتهم بالدعوة للذهاب إلى الصناديق؟!!

حان الوقت أن يعمل الجميع على أهمية خروج الناخبين للإدلاء بأصواتهم دون خوف أو قلق من فوز تيار أو آخر.. فلماذا لا يجوب الشباب الثائر الأحياء والمدن والقرى يدعو إلى النزول للانتخاب كما كان يدعو للنزول للشارع أيام الثورة؟!!

فلماذا لا تكون ثورة الشباب الثانية موجهة إلى الصناديق الانتخابية؟!!.. فاليوم يجب على الجميع العمل من أجل الوطن وليس من أجل مصالح شخصية ضيقة.. وأخيرًا نريد ألا تفسدوا فرحتنا بالانتخابات.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة