عمرو جاد

معركة «أحمد الطيب»

الثلاثاء، 13 ديسمبر 2011 04:38 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم يعد منصب شيخ الأزهر كما كان فى الأمس، مريحًا وثيرًا ناعمًا يغوص فيه الرجال حتى تغيب فيه عقولهم ولحاهم، أصبح المقعد فخّا محكمًا ولغمًا يبحث عمن ينفجر فيه، والجالس عليه الآن يعلم ذلك ونحن نشفق عليه مما ينتظره، فتلك المؤسسة تمر الآن بأكبر اختبار فى تاريخها، وهو التحدى الذى تشهده مصر متمثلاً فى صراع فكرى بين التيار المدنى والتيار الإسلامى، وكلاهما دفع للساحة بعناصر ليست موفقة فى التعبير عن تلك الأفكار التى يؤمنون بها، ورغم ذلك حافظ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر على موقعه فى المنتصف بين كل تلك الأفكار وحاول جاهدًا أن يسترجع لتلك المؤسسة الوسطية دورها التاريخى فى الحفاظ على الثوابت الوطنية، فسار بهدوء بين ألغام التطرف والتشويه، وحافظ على هدوئه وسط الأصوات العالية مناديًا بالحوار وإعمال العقل فى الدين والسياسة أولا قبل خلطهما معًا.

ولم تكن الثورة فقط هى التى وضعت الأزهر وشيخه فى مأزق، بل إن الانفجار الهائل فى التصريحات النارية لمشايخ السلفيين وطفوهم الإعلامى الذى أقلق تيارات معتدلة، ومن بعدها حالة التلاسن التى دارت بين الطرفين، إلا أن الطيب برهن على أنه ثابت على موقفه من عدم القطيعة مع كليهما ليعيد للمصريين فكرة أن الأزهر هو المرجعية الدينية الأصيلة لهم دون تشدد فى العقيدة أو انحراف عنها، كما أن خوض الأزهر «ما بعد الثورة» للسياسة كان ناعمًا وسلسًا دون تشنج أو اصطدام مع أحد، بالدعوة للتخصص وترك الجدال، على النقيض من هؤلاء الذين سلطوا سياط ألسنتهم على من يخالفونهم الرأى، فالرجل استقبل رموز السلفية بحفاوة، ورحب بقيادات الكنيسة، وطالب المجلس العسكرى بالتحاور مع الشباب، كما خاطب المتظاهرين والمعتصمين والغاضبين بعطف.

بقى أمام شيخ الأزهر الآن أن يتمسك جيدًا بمبدأ الحفاظ على وضع الأزهر كمنبر للوسطية وسط محاولات جادة من البعض بأن ينزع عنه هذا الرداء، معتمدًا على إرث من سنوات مضت كان فيها الأزهر تابعًا للسلطة متغاضيًا عن أفعال الطغاة، وتلك المحاولات لن تهدأ حتى تفرض على المصريين نمطًا من التدين لم يألفوه، وترفضه فطرتهم السليمة، بذلك يظل الدكتور أحمد الطيب ومن على شاكلته هم الدرع الأخير لوسطية هذا الدين فى مصر، وهى مسؤولية لو أدركها شيوخ الأزهر وأبناؤه لعضوا عليها بالنواجذ.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة