كان برنارد شو الكاتب المسرحى الإنجليزى العالمى الساخر يرى أن بلدا مثل الولايات المتحدة الأمريكية انتقل من البدائية إلى الانحلال دون أن يعرف الحضارة، أو دون أن يمر بها ويتعرف عليها ويعيشها، وثبت صدق ما قاله شو بعد ذلك فى مواقف كثيرة للسياسة الخارجية الأمريكية التى حاربت دولا ذات حضارة عريقة مثل العراق ودمرت آثاره وعبثت بتراثه وتاريخه لأنها دولة لا تعرف قيمة هذه الحضارة ولم تعرفها.
السلفيون فى مصر - لن أقول كلهم بل الغالبية العظمى منهم - جاءوا من البداوة الفكرية ومن أقبية الوهابية المظلمة إلى أضواء الحياة العامة والسياسة دون أن يتعرفوا على قواعد التعامل مع السياسة وحياة المصريين وحضارة البلد الذى ينتمون إليه ويعيشون على أرضه، وكان انتماؤهم للبداوة والتصحر الفكرى، فخرجوا بآرائهم وأفكارهم وفتاواهم الظلامية المتخلفة البعيدة كل البعد عن الدين الصحيح وسماحته وعدله وكفروا كل شىء حتى الديمقراطية التى أوصلتهم إلى البرلمان وجاءت بهم من القبو إلى القبة، واعتبروا الحضارة الفرعونية «حضارة عفنة» وغطوا التماثيل، ووضعوا مكان إحدى مرشحاتهم وردة أو شعار الحزب السلفى، ورأوا فى أدب الرائع والمبدع نجيب محفوظ مكانا للرذيلة والدعارة.
التصريح الأخير والخطير الذى يدلل على البداوة والتصحر الفكرى للسلفيين ما قاله شخص يدعى حازم شومان فى قلب جامعة القاهرة دون أن يتصدى له أحد، فقد اعتبر أن جامعة القاهرة العريقة أنشئت من أجل «تغييب شرع الله».
هذا التصريح الصادم من شخص أقل ما يوصف به أنه شخص سطحى لم يقرأ عن تاريخ أقدم جامعة فى مصر والعالم العربى وأفريقيا، وكيف أنشئت بعد نضال وطنى طويل وإصرار من الحركة الوطنية المصرية فى أوائل القرن العشرين.
الحركة الوطنية التى يجهلها المدعو شومان كانت تضم نخبة من قادة العمل الوطنى ورواد حركة التنوير والفكر الاجتماعى فى مصر أمثال الشيخ محمد عبده، ومصطفى كامل، ومحمد فريد، وقاسم أمين، وسعد زغلول، لتحقيق حلم طالما داعب خيال أبناء هذا الوطن، وهو إنشاء جامعة تنهض بالبلاد فى شتى مناحى الحياة، وتكون منارة للفكر الحر وأساسا للنهضة العلمية وجسرا يصل البلاد بمنابع العلم الحديث.
هذه هى الجامعة الوطنية التى يعتبر السلفيون أن إنشاءها كان لتغييب الشريعة، والأمر يستدعى الآن الصدام الاجتماعى مع أمثال هؤلاء لإعادتهم من حيث جاءوا، وهى المعركة الاجتماعية والثقافية التى يجب أن نخوضها جميعاً دفاعاً عن مكتسباتنا وإنجازاتنا الوطنية وهويتنا المصرية.