فى يوم 12 ديسمبر عام 2004، كانت القاهرة على موعد مع 560 ناشطا سياسيا خرجوا فى وقفة صامتة رافعين شعار: «لا للتمديد.. لا للتوريث».
كانت سماء مصر يومها ملبدة بالغيوم الممطرة، لكن فى نفس التوقيت كان هؤلاء الناشطون يمطرون مصر باسم عبقرى لحركة جديدة، أما الاسم فهو «كفاية»، وأما الهدف فكان الرفض القاطع لإعادة ترشيح مبارك رئيسًا للجمهورية، وهو ما تم اختصاره فى تعبير: «لا للتمديد» والرفض القاطع لتوريث ابنه جمال، وتم اختصاره فى: «لا للتوريث».
يوما بعد يوم أصبحت «كفاية» عنوانا لتجمع وطنى حاشد يعلو الأحزاب والجماعات السياسية الأخرى حركة وضميرا، ومن خلال حملتها للتوقيع على رفض «التمديد والتوريث»، التف المصريون حولها مصممين على انتزاع حقوقهم الديمقراطية الكاملة، من نظام مبارك الاستبدادى والقمعى، وكان مطلب الحركة جذريا دون مناورات، فلم تكن طامحة لمقاعد برلمانية أو تنافس حزبى ضيق ورخيص، كانت أسمى فى أهدافها ومقاصدها.
فرضت «كفاية» نفسها على أجندة العمل الوطنى، ومع تكرار مظاهراتها زاد المشاركون فيها، واجتذبت أكثر من غيرها رموزا جديدة، كانت تنتظر صيغة وطنية جامعة محددة الأهداف، وجاءت براعتها فى طرحها هدفا وحيدا، وحددت له أساليب عملها، ولأن الهدف كان الأعلى وقتها فى السقف السياسى، حيث يطول مبارك ونجله، بطش الأمن بعدد من رموز الحركة، وبلغ ذروته ضد الدكتور عبدالحليم قنديل أحد مؤسسيها ومنسقها السابق، حيث تم اختطافه وتعذيبه وتجريده من ملابسه وإلقاؤه فى الصحراء، وتعرض الراحل العظيم الدكتور عبدالوهاب المسيرى منسقها الثانى للسحل من الأمن، أثناء قيادته المتكررة لمظاهرات رغم مرضه بالسرطان، وحدث ذلك فى الوقت الذى كان فيه السلفيون الذين يحصدون الانتخابات الآن بعيدا عن الصورة تماما، وبعضهم كان يطرح فتوى عدم الخروج على الحاكم.
تحتاج «كفاية» إلى تأريخ كامل بوصفها الحركة التى قادت المظاهرات فى الشارع ضد بقاء مبارك ونظامه، كما أكدت وقت عنفوان نشاطها عقم الحياة الحزبية، كما ستبقى الزاحف الأكبر نحو ثورة 25 يناير ولها شمعة مضيئة فى إسقاط مبارك.