محفوظ عبدالرحمن

ليس أمامنا سوى طريق واحد

الخميس، 15 ديسمبر 2011 03:58 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هروبا من برامج «التوك شو» أذهب إلى الفراش مبكراً وآخذ معى كتابا يصلح لما قبل النوم- وإن كنت قد اكتشفت أننا لا نعرف ما هو الكتاب الذى يصلح قبل النوم، فإذا أخذت كتابا خفيفا مللت سذاجته، وإذا أخذت كتابا عميقاً حنقت على تعقيداته. وقبل ليلة الانتخابات أخذت كتابا لم أعرف ما هو، كنت أسير إلى جانب المكتبة فى الظلمة أخرجت كتابا بسرعة وإذا به جزء من الأجزاء الكثيرة للموسوعة الشهيرة «قصة الحضارة» للمؤرخ الأمريكى ويل ديورانت. وليس هذا عجيبا فلدىّ نسختان منها وهناك فارق بين الطبعتين يجعل أجزاءهما معا نحو التسعين!
العجيب هو أننى عندما فتحت الكتاب وجدته فى العصر الذهبى عند اليونان، وهناك إجماع على أن العصر الذهبى عند اليونان هو عصر الديمقراطية وبناؤها أو ما يعرف بعصر بركليز الذى كان أهم رموز الديمقراطية وهو عصر أنتج الروائع اليونانية فى الفلسفة والمسرح والنحت والعلم والتى تعتبر الآن أغلى ما قدمته البشرية.

وقبل أن أشير إلى ما فى الكتاب ولفت نظرى ليلة الانتخاب أذكر أنه بدأ يصدر فى الستينيات من ترجمة مجموعة من أعظم المترجمين، وكان بين صدور جزء وآخر شهر أو شهور. وكنا مجموعة الطلبة الأصدقاء وزعنا شراءه علينا ومن كان يشترى الكتاب يقرؤه قبل غيره كل ذلك قبل أن تختفى عادة القراءة.

ووجدت قصة الديمقراطية فى الجزء التالى فسهرت على قراءته. وأول ما أشار له الكتاب هو أن الديمقراطية فى نحو ثلاثين عاما أنتجت حضارة عظيمة مازلنا ننهل منها، وكانت وراء النهضة التى نقلت أوروبا من العصور الوسطى إلى ما هى فيه الآن. وكان التقدم فى الطب والعلوم والفلسفة والمسرح وغيرها. لكنهم لم يقدموا شيئاً فى الفلك. وهكذا كانت البدايات تقدم هنا وتختلف هناك.

ولم تكن الديمقراطية شيئاً سهلا إذا أعطيت الحق بالانتخاب سمحت للأغنياء والانتهازيين بالفوز. هكذا قالوا. وإذا اخترت بالاقتراع ابتعدت عن الكفاءات. أدرك اليونان هذا فأخذوا يجتهدون ويصلحون ورأوا أن التوافق جزء مهم من الديمقراطية بل كان لديهم قانون غريب هو أنه لو أقنع أحد الساسة الجمعية النيابية بقانون ما ثم ثبت بعد ذلك فساده، وأن صاحب القانون استخدم الدهاء أو مهارته فى الخطابة أو أى شكل يؤثر على المجموعة، هذا السياسى كان يقدم إلى المحاكمة ويحكم عليه بالإعدام غالباً!

وبذلوا جهودا مضنية ليزاوجوا بين حرية الانتخاب وكفاءة المختارين. ووصلوا إلى نتائج مدهشة حتى إن أحد القادة نجح فى الانتخابات أربعين مرة وكان يحتقر الناخبين، وكان الناخبون يكرهونه لكن كان أكثر الناس كفاءة.

بالطبع كان ذلك بإنشاء مجموعات مراقبة وجمعيات لها سلطات فى مجالات تحكم قرارات الجمعيات الشعبية «البرلمان».

وكان القضاء- رغم إصلاحات بركليز- من نقاط الضعف فى النظام اليونانى، كان القضاء يقوم على المحلفين ويصل عددهم إلى خمسمائة مواطن يختارون بالاقتراع. واستخدم هذا النوع من القضاء فى محاربة المثقفين وربما المختلفين. فكان فلان يوجه تهمة الكفر إلى فلان وأنه صرح فى مكان ما بأنه لا يؤمن بالإله زيوس أو أنه لا يجد دليلاً على وجود الآلهة فكان يقدم هذا المتهم إلى محكمة علنية ويبدأ الشاكى فى تقديم أدلته، ولو كان ثريا استعان بمحام، وكان المحامى أكثر الناس فهما للقانون، وكان على المتهم أن يثبت أنه يؤمن بالإله وأنه يصلى لزيوس ولغيره من الآلهة ويقدم لهم القرابين. فإذا فشل فى إقناع المحكمة أعدم غالباً.
وهكذا قدم سقراط إلى المحاكمة. وكان المحامى الذى يدافع عنه يرى أن الفيلسوف أعظم بألف مرة من قضاته. وكان المحلفون يكرهون أن يكون المتهم أعظم منهم. ولذلك جاء التصويت بفارق ستين صوتا. وذعرت أثينا وهى تحكم على أعظم فلاسفتها بالإعدام، وتراجعت لتعيد المحاكمة. وكان المحامى أكثر صلفا فكانت النتيجة هى الحكم بإعدام سقراط هذه المرة بزيادة ثمانين صوتاً.

وحسب بعض الروايات أرادوا تهريب سقراط. لكنه رفض وتناول السم. وعندما مات ندمت أثينا، وعاشت فضيحة تدوم خمسة وعشرين قرنا.

بصراحة أحسست أن ديورانت يؤكد على عيوب الديمقراطية. أما أفلاطون فلقد هاجمها بشراسة بعد إعدام أستاذه، ورغم ذلك استيقظت مبكراً وذهبت لأعطى صوتى لم يكن أمامى سوى طريق واحد.








مشاركة

التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

عبووووووووووووود

احترت معاك

عدد الردود 0

بواسطة:

كمبل

ديموقراطية الاطفال

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة