فى السبعينيات من القرن الماضى عرفت مصر موجة تطرف استمرت حتى التسعينيات، وقادت هذه الموجة فصائل لـ «الإسلام السياسى»، وراح ضحيتها المئات من عموم الشعب المصرى، وممن ينتسبون إلى هذه الفصائل، إما فى عمليات مسلحة أو بأحكام بالإعدام، وازدحمت المعتقلات بأعضاء وقادة هذه الفصائل، وكان الأصل الذى يحرك هذه الفصائل قناعات أبرزها «الخروج على الحاكم».
وانتهت هذه الموجة بقفزة كبرى تمثلت فى عملية مراجعات كبرى، أدت إلى هجرة أعمال العنف، ودخول فصيل منها مثل الجماعة الإسلامية إلى حقل العمل السياسى وتكوين حزب لها ودخول الانتخابات، وذلك كختام لمشهد لهذه الموجة التى تعد الثانية فى «الإسلام السياسى» بعد الموجة الأولى المتمثلة فى جماعة الإخوان المسلمين التى تأسست على يد الإمام حسن البنا عام 1928.
هذه الخلفية التاريخية السريعة تقودنا إلى الوضع الحالى، حيث صعود «الموجة الثالثة» من الإسلام السياسى ممثلة فى السلفيين الذين دخلوا المعترك السياسى، رغم رفضهم السابق لنداءات بدخول العمل السياسى من العلامة الكبير الشيخ يوسف القرضاوى، ويدخل السلفيون هذا المعترك بنصيب وافر من العمل الدعوى، والارتكان إلى الاستخراج من الدين طبقًا لرؤيتهم الخاصة، التى تتصادم مع اجتهادات أخرى لرجال ومؤسسات دينية كالأزهر، وتقف عند مسافة بعيدة من قوى أخرى من الإسلام السياسى مثل جماعة الإخوان المسلمين التى تمرست فى العمل السياسى، مما أعطاها قدرة على المناورة، والقدرة على الدخول فى تحالفات مع قوى سياسية قد تتناقض معها كليّا.
التحولات التى طرأت على جماعة الإخوان والجماعة الإسلامية جاءت بعد الانغماس المباشر فى العمل السياسى، وما تبعه من تفاعلات اجتماعية رحبت ببعض الأساليب منهما ورفضت أخرى، غير أن الوصول إلى وضعهما الحالى وما فيه من قواعد للعبة السياسية استغرق سنوات طويلة، لم تخل من اللعب على وتر المشاعر الدينية، التى جنحت فى بعض الأحيان إلى تكفير المعارضين، وكان الثمن باهظًا، بما حمل من دماء وقتلى وسجون وتعذيب وتغيير قوانين ونهج استبدادى أكثر، وهو ما دفعت مصر ثمنه فادحًا.
التجربة السابقة تقودنا إلى ضرورة البحث عن أفق آخر فى التعامل مع السلفيين، يختلف عمّا سبق التعامل به مع الإخوان وتيارات العنف من قوى الإسلام السياسى، وذلك من أجل إدماجهم فى الديمقراطية بشروطها الصحيحة، دون أن يكون الثمن كما كان فى الماضى.