هل ما زلت تثق فى حكم المجلس العسكرى؟ ألم تصدق ما قلناه وقاله غيرنا، وما كتبناه وكتبه غيرنا، بأن المجلس العسكرى هو الوجه الغليظ للطبقة التى تحكمنا منذ أربعين عاماً؟ وأنه قام بعملية سطو على السلطة السياسية فى 11 فبراير الماضى لينقذ مصالح هذه الطبقة التى يمثلها، قبل أن ننجح نحن المصريين البسطاء فى استلام السلطة فور طرد حسنى مبارك من عرين الرئاسة.. لقد أقدم المجلس على الاستيلاء على السلطة فى تلك اللحظة المشحونة بأحلام كبيرة حتى يحافظ على توازن الطبقة الجشعة والغشوم التى يعبر عنها قبل أن تنهار أمام الحشود الثائرة للشعب المصرى العظيم.
لم يغفر المجلس العسكرى لنا أبداً أننا انتفضنا ضد القهر والبطش والفقر، كما أنه لم يسامحنا أبداً على كوننا حلمنا بمجتمع أكثر حرية وعدلاً وجمالاً.. وهكذا تعامل معنا المجلس بكل عنجهية وعناد، فلم ينصت إلى الشرفاء من هذا الوطن الجميل الذين قدموا الاقتراحات الصائبة لخريطة طريق نعبر بها المرحلة الانتقالية بأقل تكلفة ممكنة.. ولم يتردد لحظة فى إطلاق الرصاص على الثوار الشرفاء، من أول أحداث العباسية وماسبيرو، حتى ما حدث يومى الجمعة والسبت 16و 17 ديسمبر، وكلها وقائع مؤلمة تؤكد النوايا السيئة لهذا المجلس بكل أسف وتعززها.
وفقاً لتقارير وزارة الصحة المصرية، فإن الذين قتلهم رجال الجيش المصرى (قلبى ينزف وأنا أكتب هذه العبارة) 9 أشخاص، بينما ارتفع عدد الجرحى إلى 316 مصاباً.. دعك مما يقوله رئيس الوزراء الدكتور الجنزورى بأن الجيش لم يطلق الرصاص، ذلك أن الكاميرات واللقطات الحية فضحت القتلة والكذابين!
حسناً.. ما العمل إذن فى مواجهة العسكر الذين استولوا على السلطة، ولا مانع عندهم أبداً فى إطلاق الرصاص على من يعترض ويطالب بحقوق الشعب المشروعة؟ لا تقل لى من فضلك إن الانتخابات التى تجرى فصولها الآن ستدق المسمار الأخير فى نعش حكم المجلس العسكرى.. ولا تقل لى إن هذا المجلس قد وعد بتسليم السلطة السياسة فى أول يوليو 2012، وعلينا الانتظار، ذلك أنه وعد كثيراً قبل ذلك، وأخلف وعوده أكثر، فلم يذكر لنا التاريخ أن أحداً يترك السلطة برغبته، بل يضطر إلى ذلك اضطراراً تحت ضغط الجماهير أو المؤسسات أو كليهما معاً.
لذا لا أمل لنا فى استكمال ثورتنا المغدورة إلا بتنظيم أنفسنا فى أحزاب سياسية ذات برامج وأهداف محددة، تستطيع أن تحشد معها الملايين من المصريين البسطاء الذين سيخرجون حتماً فى مظاهرات سلمية من أجل استرداد السلطة السياسية التى خطفها العسكر فى لحظة غفلة من الشعب الثائر.
آنذاك فقط سيجبر الجيش إلى العودة إلى ثكناته ليقوم بمهامه فى الدفاع عن الوطن وقتل أعدائه، بدلاً من الانتقام منا، وقتلنا نحن أبناءه المصريين فى الميادين العامة!