لم يكن أى مصرى يدرك أن البلاد يمكن أن تمر بظروف بالغة القسوة مثل ظروف مجلس الوزراء، ومن قبلها محمد محمود بعد ثورة الخامس والعشرين، تلك الثورة التى رفعت شعار رفض الذل ومهانة المواطن المصرى البسيط والدفاع عن حقوقه ومتطلباته الأساسية بالثورة على النظام المستبد فى الحكم لأكثر من ثلاثة عقود متتالية دون تحقيق أدنى مطالب وحقوق المواطن المصرى البسيط.
إن ما يحدث الآن فى شارع قصر العينى يدفعنا بقوة للبحث عن الأسباب الحقيقية لانبعاث العنف فى البلاد، والوصول إلى نتيجة أساسية، مفادها أن هناك نسبة كبيرة من المواطنين غير راضين بأى حال من الأحوال عن نتائج الثورة المصرية وما آلت إليه ظروفها بعد الثورة، فقد رمى الشباب، أو بالأحرى الثوار، أرواحهم فوق أعناقهم وذهبوا إلى التحرير فى يناير الماضى، رغبة فى تحسين وضع البلاد والقضاء على الفقر والفساد والظلم والقهر وممارسات الشرطة والتحول بالبلاد إلى مصاف الدول الديمقراطية، ولكن تبخرت كل هذه الآمال مع مرور الأيام بعد الثورة، فلم يتم تحديد قواعد تراعى تحقيق العدالة الاجتماعية بين المواطنين، حيث لم يحدد الحدين الأدنى والأقصى للأجور، وهو مطلب فى غاية الأهمية القصوى لترسيخ قواعد العدالة، كما أن الأزمة الاقتصادية التى استفحلت داخل المجتمع المصرى، والتى حذر منها جميع الخبراء، لم تظهر فى تمويل نفقات العملية الانتخابية وتأمينها، ولكن ظهرت عند الحديث عن تعويض الشهداء وأسرهم ومصابى الثورة، فضلا على استمرار المحاكمات العسكرية للنشطاء، وصدور العديد من الأحكام القضائية من القضاء العسكرى عن قضايا مثل حظر التجوال، فى حين أن قضايا محاكمة قتلة الثوار لم يحكم فيها بعد، وهى أمور فى مجملها تحدث تراكما واحتقانا داخل شباب الثوار وتهدد مستقبل البلاد.
وهنا فقد اختزلت الثورة المصرية فى مسألة الانتخابات وحدها وتسليم الثورة لقوى تقليدية كانت موجودة قبل الثورة، وهى أمور فى مجملها أدت إلى حدوث نوع من الثورة المضادة والتى بدأت شيئا فشيئا تتغلغل داخل الجسد المصرى وأحدثت نوعاً من المصادمات بين الجيش المصرى والذى من المفترض أن يحمى الشعب المصرى ضد أى عدوان خارجى وشباب الثوار، وهذا أمر خطير للغاية، فقد وجدنا أنفسنا فى مشهد غاية فى الخطورة، وهو الصدام بين الجيش والمواطنين، صدام سنعانى منه بقوة، كما أنه سيخلق شرخاً قويا فى النسيج والتكامل المصرى.
وهنا يبقى الحديث الضرورى عن أمر فى غاية الأهمية، وهو تجاهل الإرادة السياسية مطالب الثوار التى طالبوا بها منذ اليوم الأول للثورة ولم تتحقق بعد، لماذا نسكت عن هذه القضايا وهى مثل الرماد فى البركان الثائر؟ فلماذا لم نعوض الشهداء وأسرهم ومصابى الثورة ونحقق مطالبهم؟ لماذا لم تبادر الحكومة إلى سن قانون بالحد الأدنى للأجور وإذا تعثر الحد الأدنى تحت دعوة الأزمة الاقتصادية الطاحنة، أين الحد الأقصى للأجور؟ فهل هو الآخر فى حاجة إلى توفير المبالغ المالية لتحقيقه.. أم أنه سيوفر على خزانة الدولة ويرسى أول قواعد العدالة الاجتماعية؟
وهنا فإن أزمة تفجر الصراع فى شارع قصر العينى، تحتاج إلى حل سريع وفورى، ولا يتحمل تبعاته المجلس العسكرى بمفرده، إنما يتحمل تبعاته أيضا أغلب القوى السياسية التى تلقى اللوم الآن على المجلس العسكرى، لكن الحقيقة أنهم هم أيضا يتحملون جزءا من المشكلة، فلم يضعوا أهداف الثورة نصب أعينهم، ومارسوا كل وسائلهم السياسية والدبلوماسية لتحقيقها، بل على العكس لهثوا وراء مكاسبهم السياسية فى إجراء انتخابات برلمانية تحقق لهم مكاسب فى الوصول بأغلبية معينة إلى البرلمان. وهنا فإن مطالبة المجلس العسكرى بتسليم السلطة يتطلب وضع الترتيبات اللازمة لتنفيذ ما اتفقت عليه القوى الثورية مثل ضمان كل الحقوق والحريات الأساسية فى الدستور، وضمان الفصل والتوازن بين السلطات وضمان خلق نظام سياسى يعكس تنوع القوى السياسية.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
عصام الجزيرة
تلك هى افكار النخبة ..