المبادرات لا تأتى فرادى، لكنها تأتى متأخرة، وإذا كنا نتهم المجلس العسكرى بالتباطؤ، فإن نفس الانتقاد يوجه إلى التيارات السياسية التى لاتنشط إلا بعد الحرائق، تظل تفاعلاتهم ضمن رد الفعل، بينما الفعل يختفى. وعلى سبيل المثال فإن الفضائيات والإعلام طوال الأيام الماضية ازدحمت بردود الفعل التى تعيد وتزيد فى نفس النقطة، من دون أن تصل إلى التقاط لنقاط الاشتعال التى تتكرر، وعلينا أن نتوقع نقطة اشتعال أخرى، يسقط فيها شهداء وجرحى، وتزداد الأمور تعقيدا، طالما لا يسعى السياسيون والفضائيون لتقديم مبادرات فى غير أوقات الحرائق الرسمية.
لقد كادت برامج التوك شو المسائية، أن تصبح «مندبة» كبيرة، بتنويعات مختلفة، بشكل يضاعف من شعور الناس باليأس من الحاضر والمستقبل، ونقلهم من خانة التفاعل إلى خانة الفرجة.
ولا أحد وسط الزحام ينتبه إلى أن الأحداث تتكرر، والاتهامات لطرف ثالث، أو أيدٍ خفية تتكرر، كأنه نوع من الاستنساخ.
وكما ذكرنا فقد فتح مزاد لمبادرات واقتراحات تدفع نحو الإسراع بنقل السلطة، منها من يطالب بمجلس مدنى، أو مدنى عسكرى قضائى، أو اعتبار رئيس البرلمان رئيسا للجمهورية لحين انتخاب رئيس.
وكل اقتراح، له مؤيدوه ومعارضوه، لأننا لسنا أمام قوى سياسية وتيارات واضحة، ولا أحد يريد الاعتراف بأن هناك خلافات فى الرؤية، تصل إلى حد التعارض، وشكوك ومخاوف لدى كل تيار تجاه التيارات الأخرى. ولا نتوقع أن انتخاب رئيس وبرلمان سيكون نهاية المطاف، وعلينا أن نعترف أن بداية الاستقرار الحقيقى ستكون مع الانتهاء من وضع دستور تتوافق عليه كل التيارات والاتجاهات، يحدد شكل الدولة، وصلاحيات الرئيس والحكومة والبرلمان، ودور المجالس المحلية. عندها فقط تكون قواعد الحقوق والحريات والواجبات تحددت.
هناك خلافات حول شكل الدولة، وما إذا كانت رئاسية أو برلمانية أو مختلطة. حتى نضمن ألا تتغول أى سلطة على أخرى، وفى نفس الوقت ألا يقود التصادم لتعطيل دولاب الدولة.
هذه هى النقاط المختفية التى لا تعلن عنها التيارات والأحزاب، ويفترض أن تسعى لمناقشتها ووضعها فى الاعتبار، كفعل وليس كرد فعل. وإذا كان الجميع حريصون على نقل السلطة، عليهم أن يسعوا لذلك ليس بمبادرات رد الفعل ولكن بمحاولة إعلان النوايا الكاملة لكل فصيل، وبشكل واضح، حتى لايظل الالتباس سيدا للموقف. فالليبراليون واليسار لديهم شكوك فى الإخوان والسلفيين، والعكس صحيح، لأن كل تيار يشك فى أن الآخر يريد إقصاءه. مستندا على تصريحات هنا، أو كلمات هناك. من دون سعى حقيقى للتعرف على الآخرين، والاعتراف بأن الاتفاق التام غير وارد، والمطلوب هو الاتفاق على القضايا الأساسية، وهى ضمانات الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية.
من هنا تكون البداية، بدلا من استمرار اللف والدوران، التى تستهلك الوقت والجهد، وتقود إلى مصادمات تتكرر، لتظهر مبادرات متأخرة بعد أن تسيل الدماء.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
z-yahya
الحريه المطلقه والمقيده
عدد الردود 0
بواسطة:
عمرو سعيد
كلمات مقتضبه
عدد الردود 0
بواسطة:
عصام محمد الكفراوي
تحية واجبة للاستاذ أكرم