أراها عبر شاشات «السونار» الواهنة شقية وعنيدة، تحمل بعضا من ملامح جدتى، وكثيرا من ملامح أخيها، فى كل مرة أسأل الطبيب أليس هناك من أمل فى أن يمنحنا السونار صورة أفضل من صورة شاشة التليفزيون المصرى الباهتة والمرتبكة والطاغى ضبابها على الحقيقة؟ فيضحك ويقول: اطمئن هى بخير وستكون أطول منك!
هذه ابنتى التى لم تتطور العلاقة بيننا طوال 9 أشهر ماضية عن هذا اللقاء الأسبوعى العابر عبر «السونار»، تظهر على شاشته مرة غاضبة وأخرى باسمة، وثالثة منشغلة جداً بمداعبة أصابعها واختيار أوضاع غريبة ومضحكة داخل الكرة التى تعيش بها، حتى ظننت أنها تداعبنى بإعادة تمثيل مشاهد من أفلام يوسف شاهين أو رضوان الكاشف.
فى المرات الثلاث الأخيرة كانت نجمتى وبطلة حكايتى القادمة مختلفة، عبوسة الوجه، لا تظهر من الضحكات إلا ما ترسمه على وجهها الغامض على سبيل المجاملة، وكانت مثلها مثل «حنظلة» بطل رسوم ناجى العلى لا نرى منها إلا بعضا من فقرات عمودها الفقرى، وبالتالى ملامح غير واضحة لمؤخرة رأسها وقفاها، كان الوضع اعتراضيا بحتا، تخيلت فى البداية أن سببه حيرتى فى الاستقرار على اسم ملائم لها وسط سيل من مشاركات الأصدقاء والأقرباء يحذرنى من غرابة ما أختاره من أسماء.
ربما الوجع الذى أصاب أمها من مشهد الفتاة التى تم سحلها وتعريتها على أرض ميدان التحرير على أيدى جنود كان من المفترض أن يحموها لا أن ينتهكوها، هو الذى دفعها لأن تقول: «بنتى معترضة على اللى بيحصل.. خايفة تنزل لدنيا لا يجد فيها كبار المسؤولين وقيادات الجماعات الدينية أى مشكلة فى سحل وتعرية البنات».
هل هذا صحيح يا من احترت فى اسمك؟! هل تخشين مواجهة عالم أصبحت فيه النخوة والشهامة أندر من أنابيب البوتاجاز وأرغفة الخبز؟ هل تخشين المشاركة فى صناعة مستقبل وطن انشغل أهله بألوان ونوع الملابس الداخلية للفتاة المسحولة، أكثر من انشغالهم بانتهاك الأعراض والاستقواء على امرأة علمنا ديننا وأخبرتنا تقاليدنا أنه فعل أشد خسة من أفعال الشيطان؟!
هل تخافين ياسيدتى من الحيوانات الذين تباحثوا أمر ارتداء شقيقتك المسحولة لقطعة ملابس واحدة، وكأن كل فتاة فى مصر وجب عليها أن ترتدى ما فى دولابها لأنها لن تجد رجالاً يحمونها فى الشوارع إذا تجرأ أحدهم وتحرش بها؟!
لا تخافى يا صغيرتى، فالنساء فى أرضنا الطاهرة وداخل العقول المحترمة، والنفوس المتزنة، ملكات وضعهن الطبيعى فوق الرؤوس، سيرتهن وأجسادهن خط أحمر، أنا لست خائفا عليك، لأن تاريخ هذا الوطن علمنى ألا أخاف، ولأنى على يقين أنك مثلك مثل أولئك المنحوتات على جدران المعابد والأهرام قويات شامخات، ومثلك مثل اللاتى خرجن أكتافهن فى أكتاف الرجال فى مواجهة الرصاص والقنابل والضرب والسحل بلا خوف ولا تراجع.
أنا آسف فقط لأن أيامك الأولى لوثتها هذه الحادثة التى ستظل عاراً فى جبين هؤلاء الذين انشغلوا بالتحليلات والمكاسب، عن جوهر الجريمة، أنا آسف لأن النساء هن اللاتى خرجن بالآلاف للدفاع عن انتهاك حرمتهن بعد أن علمونا أن تلك وظيفة الرجال.
لا تخافى يا صغيرتى وأديرى وجهك إلى الدنيا مرة أخرى، وانزلى إلى عالم هذا الوطن الجديد بوجه باسم وقلب شجاع مثلك مثل تلك التى عايرها أهل التيار الإسلامى بملابسها ولم يغضبوا لتعريتها وسحلها، ولم يفهموا أبداً أن الله سترها حينما غيب وجهها عن الكاميرا ولكنه فضحهم هم، حينما لم يغيب مواقفهم عن التاريخ.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب مصدر السلطات
مقال كشف المستور وانصاف الرجال - رائع رائع رائع
بدون
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب مصدر السلطات
لقد بدات يا عزيزى هذا اليوم باشد الجرائم ايلاما للنفس - خدش الرجوله والشهامه والنخوه
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب مصدر السلطات
لو حدثت هذه الجريمه فى حرب لاستنكرها العالم كله فما بالك امام شعب عريق كان له حضاره
بدون
عدد الردود 0
بواسطة:
كريمه سالم
لا تخف على أبنتك يا أستاذ محمد - المطلوب هو سقوط مصر عن طريق التحرش
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب مصدر السلطات
اما انصاف الرجال هذه البضاعه العفنه التى بيعت وفرضت علينا فالشعب الاصيل كفيل بها
بدون
عدد الردود 0
بواسطة:
حسن الفضالى
رفقا بنفسك يا حنين و ابقى ادى بنتك الرساله دى
عدد الردود 0
بواسطة:
مواطن فاهم
مقالك مؤثر جدا جدا جدا ولكن
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب مصدر السلطات
لو استطاعوا الصاق التهمه للثوار لفعلوها - هذه هى رجولتهم وشهامتهم ونخوتهم
بدون
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب مصدر السلطات
اشهد بان ابو اسماعيل رغم تشدده احيانا الا اننى اقدر له رجولته وشهامته ونخوته
بدون
عدد الردود 0
بواسطة:
واحد من الناس
حوار مع اب وابنه الثائر