بينما تفرض أحداث مجلس الوزراء نفسها على مصر، وعلى كل الفضائيات التى تشابهت فى المتابعة، كانت إسرائيل تحتفى بزيارة رئيس جنوب السودان سلفاكير إليها، ووصف الرئيس الإسرائيلى شيمون بيريز الزيارة بـ«التاريخية» قائلا: «إن إسرائيل ستدعم جنوب السودان لتطويرها وتقويتها».
فى عرف الدبلوماسية هى زيارة لرئيس دولة لا يوجد عداء بينها وبين إسرائيل، لكن فى المعنى الاستراتيجى هى زيارة لا تنفصل أبدا عن مصر، فالسودان الموحد ظل عصيا على حلم إسرائيل بإقامة علاقات معه، ومن ثم لم يكن هناك تواجد إسرائيلى على أرضه، وبعد انشطاره إلى دولتين أصبح لإسرائيل موضع قدم، وعلم سيرتفع، وخطوات سريعة فى التعاون مع دولة الجنوب، وتشمل، حسب قول رئيسها سلفا كير: «مجالات البنية التحتية والزراعة وتطوير المياه والتكنولوجيا المتقدمة»، ومع التعاون الأمنى والعسكرى، ستحدث نقلة نوعية فى بناء جنوب السودان كدولة مستقلة حديثا، تعانى من الفقر، لكن لها موارد طبيعية تؤهلها للبناء.
لا تفعل إسرائيل ما تفعله من أجل سواد عيون «الدولة الجنوبية»، لكنها تضع عينها على مصر فى كل تحركاتها داخل الحزام الأفريقى، وخاصة فى دول حوض النيل، التى تسعى بكل وسيلة إلى تعديل اتفاقيات مياه النيل لإقلال حصة مصر منها، وهو الأمر الذى ترفضه مصر جملة وتفصيلا.
كان فى أحلام إسرائيل أن تمدها مصر بمياه النيل، وللتذكير فإن هذا الأمر تكشف فى نهاية حكم الرئيس الراحل أنور السادات، واندلعت مظاهرة بسببه ضد السادات فى المعرض الدولى للكتاب، وقت أن كان فى أرض الجزيرة «مكان الأوبرا الحالى»، وشاركت إسرائيل فى المعرض وقتئذ، وقاد المظاهرة الكاتب الصحفى الكبير الراحل كامل زهيرى، وتعرض عشرات من المتظاهرين للقبض عليهم، ومن وقتها عرفت التحليلات السياسية فكرة أن إسرائيل تسعى للهيمنة على دول منبع النيل للضغط على مصر كدولة مصب، حتى تجبرها على توصيل المياه لها.
ولأن إقدام أى نظام سياسى مصرى على هذه الخطوة سيعد انتحارا سياسيا له، فمن المؤكد أن إسرائيل تبدل استراتيجياتها، بالسعى للاستمرار فى الهيمنة على دول الحوض، لتجبر مصر على دق بابها للتفاوض مع هذه الدول، ودق الباب يعنى تقييدا لمصر وفائدة لإسرائيل، وتأتى زيارة سلفاكير فى هذا النطاق.. فماذا نحن فاعلون؟