د. بليغ حمدى

وإذا المرأة سحلت

الجمعة، 23 ديسمبر 2011 10:09 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
شهدت القاهرة أكبر تظاهرة نسائية منذ ثورة 1919، والتى ارتبطت بسعد زغلول، الذى لقب بزعيم الثورة رغم عدم مشاركته فى أحداثها، ولكن هناك فرق كبير بين التظاهرتين، فالأولى كانت من أجل كفاح شعب ضد استعمار بريطانى غاشم حصد الآلاف من أرواح المصريين والمصريات على السواء، أما الثانية فأسبابها متعددة ومتباينة، فالسبب الظاهر هو أن إحدى النساء المصريات قد سحلت على أيدى بعض رجال القوات المسلحة فى أثناء مواجهات الكر والفر بين القوات المسلحة ورجال الأمن وبين المتظاهرين والمتظاهرات فى الأيام المنصرمة.

ولأن دور المرأة منذ ظهورها الحصرى فى أثناء ثورة يناير كان تعبيراً عن وعيها بحاضر أمتها وبالقضايا التى تعترى مجتمعها الاجتماعى والسياسى، فهو فى رأيى امتداد لظهورها المباغت فى مقعد المشاهد الذى ظهرت فيه أثناء بطولة الأمم الإفريقية عام 2006م فى القاهرة.

ثم بدا ظهور المرأة فى الحراك السياسى خافتاً غير واضح الملامح بصورة فردية، نظراً للحضور الذكورى الكثيف، فواحدة تظهر منددة بمثول المدنيين أمام محكمة عسكرية، وواحدة منفردة أيضاً تعبر عن استيائها من فوضى الانتخابات البرلمانية، وهى فى ذات الوقت تتنازل خفية عن ترشحها من أجل وظيفة مرموقة بإحدى الشركات العالمية، ومرة أخرى حينما تعرضت امرأة مصرية لكشف العذرية بعد القبض عليها، وهو إجراء مرفوض تماماً ولا أعرف من أين جاء هذا الضابط بهذا الإجراء العجيب وما فائدته. وتعدد بعد ذلك ظهور المرأة فى المشهد السياسى، ولكن فى أشكال فردية دون تحشيد من بنات جنسها.

حتى جاءت اللحظة الفاصلة لتحشيد النساء من خلال ما تعرضت له فتاة من سحل، أى شد وجذب على الأرض، على أيدى بعض رجال الأمن الذين لو وضعت نفسى مكانهم لاختلفت الصورة الآن عن نقدهم، فلك أن تتخيل نفسك فى مهمة محددة وهى تفريق المتظاهرين ثم تجد امرأة ـ ونساؤنا يتمتعن بالاستفزاز كسلوك فطرى ـ ترفع يدها فى وجهه وتندد وتلطم وتشجب وربما تولول على ما يحدث فى مصر، وطبعا رجال الأمن تربوا فى ظل ثقافة أمنية بعيدة تمام البعد عن العلوم السلوكية والنفسية وربما المواد النظرية التى درسوها وهم طلاب لا تؤهلهم للتعامل مع المدنيين، فقاموا بشدها وضربها وسحلها وتعرى جزءاً من جسدها العفيف إن شاء الله.

ومن هنا كانت الفرصة التاريخية لهذا الخروج الناعم من أجل التنديد بما حدث لامرأة خرجت من أجل التظاهر، وحتى أكون موضوعياً لو كان حدث هذا السلوك المشين لإحدى النساء والفتيات بعائلتى لكنت أول المتظاهرين معهن.

وأبرز المظاهر التى شاهدتها وسط هؤلاء المتظاهرات هو التنوع والاختلاف بينهن، فكانت المنتقبة بجوار السافرة، وكلمة سافرة لا تعنى المنحلة أو الخارجة على قواعد الأدب كما هو متعارف عليه بين الأوساط غير الثقافية بل الكلمة تعنى عارية الرأس من الغطاء.

وأيضا تجاورت المرأة العجوز بجوار الصبية اليافعة، والأستاذة الجامعية بجوار متوسطة التعليم وربما هذا هو الذى أضفى تميزا لهذه التظاهرة أى التنوع والاختلاف بين المتظاهرات.

وأنا فى بادئ الأمر معهن وأؤيد ما حدث لبنت من بنات أمتى التى حرص الإسلام الحنيف على حماية عرضها وصيانتها والالتزام بحمايتها وتوفير أمنها، رغم أن نساء وطنى حملت القوات المسلحة جميعها ذنب هذه الجريمة الفردية وأنا لا أظن فى اعتقادى أن هناك أوامر فوقية بسحل النساء المشاركات فى التظاهرات، ولكن لقد سئمت مما يحدث ببر مصر من خروج مستمر وتظاهر مستدام ورفض مطلق وشجب دون مهادنة واعتصام مفتوح، كما كرهت أيضاً طرق التعامل التقليدية مع المتظاهرين.

وفى ظل هذا كله نجد الشعب يسأل حكومته عن أمنه واستقراره الاقتصادى ونموه الاجتماعى وحياته التعليمية والعلمية، بينما على الشاطئ الآخر نجد أطفال الشوارع الذين أهملهم الرئيس المخلوع مبارك قصداً وعمداً لا لضيق اليد، ولكن لتحويلهم إلى بلطجية المستقبل يمكن استخدامهم فى موقعة كالجمل أو فى مباراة رياضية أو كما يحدث حاليا بشارع القصر العينى وشارع الشيخ ريحان.

يمكننا بالفعل أن نعيد للمرأة المصرية كرامتها، ويمكننا أن نحفظ عرضها ونصون أمرها لأن ديننا الحنيف أمرنا بذلك قرآناً وسنةً، ولكن من الدهشة أنه فى ظل غضبنا المحموم إزاء ما تعرضت له نساؤنا من عبث بعض رجال الأمن تصر الأحزاب ذات الصبغة الدينية على مواصلة عملها الانتخابى وحملاتها للترويج والدعاية لبرامجهم الانتخابية، وهم واهمون أنه بالظروف التى تم بها البلاد سيكون هناك برلمان للشعب يناقش همومه.

أيا أحزاب وطنى الدينية لقد رأيتم ما حدث لامرأة مصرية خالصة لا تحمل جنسية مزدوجة ولم تتلق تدريباً فى صربيا ولم تنتم إلى مجموعات عبدة الشيطان، فماذا فعلتم فى توجيه الضباط ورجال الأمن إلى كيفية معاملة المتظاهرين عامة والنساء على وجه الخصوص كما أمرنا الله سبحانه وتعالى واقتضت سنة نبيه عليه أفصل الصلاة وأزكى التسليم؟.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة