الشعور بالخوف يطارد الأقباط فى الفترة الأخيرة، شئنا أم أبينا، ومهما حاولنا أن نهدئ من مخاوفهم، فالأحداث غير السارة التى تحدث لهم لا تجدى معها تطمينات كلامية، أو حوارات.
أحد أسباب الخوف هو الشعور بأن سلامتهم مهددة. فى هذه الأجواء حمل لى السعادة خبر قرأته فى موقع «أقباط متحدون»، ففى قرية «فاو بحرى» فى «نجع حمادى» قام مجموعة من البلطجية بخطف طفل قبطى عمره عشر سنوات، وطالبوا والده الغنى بدفع فدية قدرها مليون جنيه رفض الأب دفع الفدية، وزحف كبار عائلات القرية ترافقها جموع غفيرة من المسلمين والمسيحيين غاضبة إلى القرية التى جاء منها الخاطفون، ولم يمض وقت طويل حتى عادوا برفقتهم الطفل الصغير بعد تحريره دون أن يدفعوا مليما واحدا.
كان من الممكن أن يدفع الأب المليون جنيه، مثلما يفعل غيره بالمناسبة، ويستعيد طفله، ويقع فريسة للشعور بغياب العدالة، والقهر، وربما يفكر فى اللحاق بطابور الراغبين فى الهجرة، لكن أهل القرية، مسلمين ومسيحيين، رفضوا أن يحدث ذلك فى قريتهم، ولم يقبلوا أن يأتى غرباء من قرية أخرى ويخطفون الطفل من وسطهم، وشعروا أن هذا الطفل المخطوف طفلهم جميعا، والعار سوف يلحقهم جميعا، لا يفرق بينهم. هذا ما يطلق عليه علماء الاجتماع السياسى «رأس المال الاجتماعى»، أى أن يكون لدى الناس مخزون من التضامن، والثقة، والتعاون، والتكاتف فى مواجهة الأخطار. وإزاء هذا الشعور بالتضامن، والتأكيد على مواجهة العدوان لم يملك الخاطفون إلا أن يعيدوا الطفل إلى ذويه، وهم أهل القرية جميعا وليس فقط أسرته الصغيرة. لم يلجأ والد الطفل إلى الكنيسة أو الأقباط، لكنه وجد المساندة والحماية من أهله، جيرانه المسلمين قبل المسيحيين.
هذا هو شعور التضامن المستنير الذى بدأ يخبو فى حياة المصريين، لم يعودوا يرون سوى التضامن المظلم فى شكل عصابات مسلحة، أو ميليشيات من البلطجية، أو الحشود الطائفية التى تتحرك بالغريزة أكثر مما يحركها العقل. لو فى الأحداث المشابهة وجد هؤلاء المجرمون الناس متكاتفة، متلاصقة، تقف يدا واحدة لما استباحوا المجتمع سرقة، وخطفا، واغتصابا، وترويعا، لو شعر الناس فى كل موقف أن المسروق، والمخطوف، والمغتصبة أبناء لهم، يخصونهم، يهبون لنجدتهم، لما هزت مجتمعنا الجرائم كل يوم.
فى هذا الحادث يبدو التضامن من نوع خاص، تضامن إسلامى مسيحى، وهو التضامن الذى تتهدده عوامل كثيرة فى المجتمع، تعصب، جهل، طائفية، انغلاق، كراهية، الشعور بأن المسلمين والمسيحيين فريقان متبارزان، متحاربان، يسجلان أهدافا فى مرمى كل منهما.استعادة العلاقات الإسلامية المسيحية التى تقوم على أساس المواطنة هى المدخل الحقيقى لاستعادة توازن واستقرار المجتمع.
إننى أدعو إلى تكريم قرية «فاو بحرى»، لأنها ضربت مثالا مهما فى الحفاظ على رأس المال الاجتماعى، وأوضحت أن قوة هذا الشعب تظهر فى تماسكه، وسوف تظل قصة الطفل الصغير «عادل ناجح فرج» الذى استعادوه لأسرته يتداولها الناس. هذه هى أصالة المصريين التى يجب أن نقاتل للحفاظ عليها، لأن المجتمع فى تحولاته الجذرية لا يملك سواها، ليس هذا فقط، ولكن أيضا هناك من يحاول أن يخرب العقول، ويخلل الأسس التى يستند إليها هذا المجتمع، بالتأكيد على الطائفية، ويستدعى أحداثا غابرة أو آراء طوتها الأيام كى يبث الفزع فى نفوس الناس.
فى خضم القلق وغياب اليقين السياسى، والخوف من المجهول القادم يعيش قطاع عريض من المصريين، وقصة قرية «فاو بحرى» قد تبعث لهم بعضا من الأمل فى أن الواقع ليس كله ظلاما، والمستقبل ليس كله غموضا لأن الناس تملك فى داخلها طاقة التضامن، التى تحتاج أن تظهر، وتخرج، وتعبر بقوة عن نفسها فى هذا الوقت بالذات.
عدد الردود 0
بواسطة:
خالد الشيخ
مقال رائع
شكرا استاذ سامح
عدد الردود 0
بواسطة:
salwa
wonderful
عدد الردود 0
بواسطة:
ali mohamed ali
والله
عدد الردود 0
بواسطة:
حسن الهلالي
المخطوفون
عدد الردود 0
بواسطة:
علي عبد الحليم
الـــتــــســــــامـــــــــــح والــــفـــــوز الـــعــــظــــــــيـــــــم
عدد الردود 0
بواسطة:
ايمن جورجي المحامي
100 علي100
مقال اكثر من رائع يا اعظم كاتب سياسي
عدد الردود 0
بواسطة:
حسام جلال
الله ينور عليك
عدد الردود 0
بواسطة:
Nagdi
مقال ايجابي في ايام سلبية
عدد الردود 0
بواسطة:
د يسرى فاروق
فوق الممتاز
عدد الردود 0
بواسطة:
عادل قطب
اللة عليك