تخيلوا معى مؤتمراً انتخابياً لحزب «النور» السلفى فى الدقهلية، وعلى المنصة ثلاثة شيوخ: ياسر برهامى وحازم شومان ومجاهد أبوالمجد، وبدلاً من استعراض برنامج الحزب والمرشحين وما يمكن أن يقدموه لجماهير المحافظة، ركبوا موجة الهروب الكبير إلى التدين الشكلى، وحولوا المؤتمر إلى ندوة دينية أقرب إلى التعصب منها إلى سماحة الإسلام، ورغم تعارض هذا العمل مع طبيعة الترخيص الذى خرج بمقتضاه الحزب من ظلام التنظيمات السرية إلى نور العمل السياسى أصلاً، ورغم حظر استخدام الخطاب الدينى فى الدعاية الانتخابية، التى هى جزء من العملية السياسية، فإن ذلك لم يكن المشكلة الكبرى، فالمشكلة فجرها الشيخ برهامى بتعصبه المدمر، عندما أعلن ببساطة أن المسيحيين واليهود كفار، ولا أدرى فى أى سياق سياسى أو مناسبة انتخابية يطل علينا بمثل هذا البغض، وكأنه مدفوع دفعا إلى إثارة فتنة طائفية جديدة.
طبعا انقلبت الدنيا، وأصبح الشيخ برهامى عنتر زمانه الذى لا يخشى فى الحق لومة لائم، أو هكذا يتصور، وزاد على ذلك وهو يمعن فى الخطأ بمحاولة «شرعنة» ما نطق العدوان الذى نطق به، استناداً إلى تفسيره المغلوط لآيات القرآن الكريم.
يا شيخ برهامى ألم تقرأ قوله تعالى: «لكم دينكم ولى دين»؟ ألم تقرأ قول رسول الله «صلى الله عليه وسلم»، «من أذى ذمياً فقد أذانى»؟ ألا تعرف أن النار التى تشعلها يمكن أن تمتد لتشتعل فى ثيابك؟ من وصفتهم بالكفر خطأ هم أهل كتاب، ولهم أديانهم السماوية التى أمرنا باحترامها، فماذا تفعل لو استخدم أحد القساوسة أو أحد الحاخامات منطقك نفسه، وأعلن أن المسلمين كفار؟ ألا تشعر بالأذى حينئذ؟ ألا تتألم عندما يتعرض أحد المسلمين لهجمات المتعصبين فى هذا البلد الأوروبى أو ذاك؟ ألا تثور وتغضب عندما يهاجم المتطرفون من أبناء الديانات الأخرى الإسلام والمسلمين على إطلاقهم؟ فلماذا نتبنى المنطق الفاسد نفسه، الذى يقوم على إثبات وجودى عبر نفى الآخرين، وكأن إيمان المسلمين لا يكتمل إلا عندما يكفرون المخالفين لهم فى العقيدة!
اللافت فى مثل هذه التصريحات المشوهة الصادرة عن قيادات سياسية حزبية، أنها لا تراعى السلام السياسى ولا الاجتماعى، فما طبيعة تفكير وخطاب عموم الجماهير المنتمين إلى هذه الأحزاب؟