أتابع منذ فترة أحاديث وتصريحات الناشط السياسى الشاب وائل غنيم - 31 عاماً - الذى يعتقد الكثيرون أنه أبرز مفجرى ثورة 25 يناير، لإسقاط نظام الرئيس المخلوع حسنى مبارك. وبصراحة أرى فى كلامه سواء فى اللقاءات الصحفية والتليفزيونية أو عبر صفحته على الفيس بوك، درجة كبيرة جداً من اتساع الأفق والرؤية، والوعى السياسى، والنضج الثورى الذى يفتقده الكثير من شباب الثورة. فهو نموذج كنا ومازلنا فى حاجة إلى وجود الكثير مثله فى الميدان، أو فى المئات من الائتلافات الثورية التى تشكلت بعد يناير وتشتت معها الرأى العام.
منذ البداية لم يدع وائل لنفسه بطولة مطلقة فى الثورة، ولم تلبسه الحالة الثورية الجامحة، بل اعترض أن يطلق عليه البعض لقب «قائد ثورة الشباب»، لدوره الكبير فى اندلاعها، واكتفى بأن يسمى نفسه «مناضل كيبورد»، وهى لوحة مفاتيح الحاسب الآلى، حيث كان مدير صفحة الفيس بوك «كلنا خالد سعيد»، التى كانت أحد الأسباب الرئيسية لإشعال نار الثورة، ونزع فتيل تفجيرها.
واعتبر نفسه فى تواضع شديد واحدا من المشاركين، لم يقدم الشىء الكثير، مقارنة بمن قدموا أرواحهم فى هذه الثورة من الشهداء والمصابين، ومقارنة مع الآلاف المتواجدة فى ميدان التحرير، الذين حافظوا فى البداية.. وحتى تنحى الرئيس المخلوع على شرارة وجذوة الثورة. ولذلك اختارته مجلة التايم، ليكون الاسم الأول فى قائمتها السنوية لقائمة أكثر 100 شخصية تأثيراً حول العالم، كما تم اختياره لنيل جائزة كيندى للشجاعة.
لغة العقل التى يتحدث بها وائل هى التى كان ملايين الشعب تريد أن تستمع إليها من خلال خطاب إعلامى موحد، يعبر عن مجمل الحركات الثورية، يعبر عن برنامجها السياسى، بعد أن حققت الثورة الهدف الأول بإزالة رموز النظام السابق، دون الدخول فى صراعات وقضايا فرعية، بعيداً عن الأهداف الحقيقية للثورة التى أعلنتها منذ اللحظة الأولى.
فى آخر كتاباته فى صفحته على الفيس بوك، يواصل وائل خطابه الوطنى المتزن فى الحديث عن طبيعة التغيير المأمول فى مصر، ويرى أنها معركة تستدعى الصبر والتحمل. مطالباً الثوار بضرورة الاحتكام إلى العقل والحكمة فيما هو قادم، لأنهم محملون بمسؤولية تاريخية أمام الأجيال القادمة.
لغة الخطاب التى يتحدث بها وائل غنيم، هى ما نحتاجه الآن فى الفترة العصيبة الحالية، وخاصة من ثوار التحرير من أجل العبور الآمن نحو المستقبل.