لا يحتاج السياسيون إلى ميكافيلى ليتعلموا المناورات واللعب على الحبال، بل هم يكونون موهوبين وقادرين على ممارسة السياسة. وعندما أصدر ميكافيلى كتابه، الأمير، كان يكشف قواعد السياسة ولا ينشئها، وسبقه معاوية بشعرته الشهيرة.
نقول هذا بمناسبة الجدل الدائر الآن بين من يمتنعون عن السياسة اعتراضاً على قواعدها، ومن يخوضون السياسة والانتخابات باعتبارها السبيل الوحيد لاختيار من يمثلون المجتمع.
السياسة لعبة تتحمل الكذب وهذه قاعدة لا تحتاج إلى براهين، ولا تمثل مفاجأة، سواء فى مصر أو العالم المتقدم أو المتأخر أوالمتوسط. وقد رأينا فى الانتخابات الأمريكية وداخل الحزب الديمقراطى حرب باراك أوباما وهيلارى كلينتون، شهدت إطلاق الشائعات وحملات وصلت إلى حد التجريح، لكن حسم الجدل لباراك أوباما، الذى أصبح رئيساً، وقبلت هيلارى بأن تكون وزيرة للخارجية فى إدارته، هذه هى السياسة، ولو كانت الأمور بالجدل فقط لرفض أوباما التعاون مع هيلارى، أو استكبرت هى على تولى منصب فى إدارة أوباما.
سيخرج من يقول إن الأمر فى أمريكا مختلف، هناك قواعد حاكمة ودستور لا يمكن الخروج عليه، وهو أمر صحيح، ولهذا فإن معركة الدستور عندنا هى النقطة التى يفترض أن يتفرغ لها كل من يريد ضمان منافسة سياسية حقيقية، لأن الدستور هو الذى سيحدد قواعد اللعب وشكل الملعب. ولهذا تفرغت أحزاب وتيارات وأفراد للانتخابات وتفرغ غيرهم للجدل والصراع الصوتى.
كل شعوب العالم منها فئة تهتم بالسياسة، وأخرى تكتفى بالتصويت فى الانتخابات. ومن يخوضون السياسة يعلمون أنها ليست خطاً مستقيماً بين نقطتين، وإنما هى خطوط متعرجة، وتفاصيل معقدة، ومناورات وتفاوض.
لهذا يبدو التناقض بين الثورة والسياسة، فالسياسة رمادية، بينما الثورة تتعامل مع الأبيض والأسود، وطبيعى أن الثورة سوف تنتقل إلى الممارسة السياسية، ومن يريد السياسة عليه أن يستعد لها، أو يبتعد عنها.
وفى حالة الثورة المصرية، هناك من بين الثوار من فضّل العمل السياسى وخاض الانتخابات، بقواعدها ومناوراتها، ولا يجب أن نلومه، بل أن ندعمه، وفى المقابل تبقى أهمية كبيرة للنشطاء وحراس الثورة - الحقيقيين وليس الفضائيين- فهؤلاء وإن كانوا يرفضون العمل السياسى باعتباره أمراً ملتبساً فإنهم يمثلون دور الضمير، ومعهم أيضاً المجتمع المدنى والنقابات والروابط التى تمثل جماعات ضغط وتتبنى مطالب المجتمع وتلعب دورا فى تصحيح مسارات أو مواجهة فساد.
لكن كون السياسة لعبة معقدة لا يعنى إقرار الفساد والخلط بين السلطات وتداخل المال بالسياسة، أو الدين بالسياسة وإنما من المهم أن يضمن الدستور الفصل بين المصالح الخاصة والعامة حتى لا يتحول الأمر إلى تسلط يحل مكان تسلط.
وهذا هو الدور الذى يفترض أن ننشغل به الآن بدلاً من الاستمرار فى خوض معارك، تبدو مصيرية، بينما هى تفرعات تأخذنا إلى قنوات التفكك والتشتت.. لن تتوقف السياسة عن أن تكون لعبة مناورات، وعلى المتجهين إليها مراعاة ذلك.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
الحزب الجمهورى الديمقراطى الحر
رساله هام الى المبجلس الاستشارى من الحزب الجمهورى الديمقراطى