الملحمة الكبيرة التى صنعها الشعب المصرى العظيم من خلال إقباله الكثيف على الإدلاء بصوته فى انتخابات مجلس الشعب (المرحلة الأولى) تؤكد أننا نحن المصريين لن نعدم الحيلة أبداً فى تجاوز المحن والملمات، وأن السماء إذا أظلمت، سنعرف كيف شق الطريق إلى نور القمر.
من كان يتخيل أن المآسى التى وقعت فى ميدان التحرير مؤخراً لن تمنع المصريين من الذهاب إلى صناديق الاقتراع أفواجاً؟ ومن كان يصدق أن دماء الشهداء فى ميدان التحرير ستبارك حماس الملايين فى البحث عن مخرج بعد عشرة أشهر من الدوران فى فلك التشويش السياسى المقصود؟
أجل... فعلها المصريون وذهبوا إلى مقار اللجان يملؤهم حماس كبير لوضع حد لهذه الألاعيب والمكائد والفخاخ التى برع أولو الأمر عندنا فى نصبها بعد أن طردنا حسنى مبارك من قصر الرئاسة. أجل... فعلها المصريون الذين يتوقون إلى اصطياد طيور الحلم الجميل فى إقامة مجتمع العدل والإنصاف... مجتمع الحرية والكرامة... مجتمع الخضرة والجمال.
وبغض النظر عن النتائج النهائية، التى تشير بعضها إلى فوز تيارات الإسلام السياسى بتنويعاته المختلفة، فإن الرابح الأكبر هو شعبنا المصرى البطل الذى أشعل ثورة نادرة المثال فى يناير المنصرم، ويسعى لاستكمالها بعد أن فعل المجلس العسكرى المستحيل لإجهاضها وخنقها بقرارات مغلوطة وتباطؤ مقصود وتحالف مشبوه.
ليس عندى ذرة شك واحدة فى أن المصريين سيكتشفون قريباً جداً ضلالات تيارات الإسلام السياسى هذه لأنها تسعى لحكمنا باعتبارها من تملك حق التحدث باسم السماء، وبالتالى وجبت علينا الطاعة لهم أو الخروج من الملة، ناسين أننا أولى بشئون دنيانا كما يقول الحديث الشريف، وأن الدين لله والوطن للجميع، وأن الأمم التى سبقتنا فى اختراع الحضارة الحديثة لم تصل إلى ما وصلت إليه إلا عندما تخلصت من حكم رجال الدين أو رجال العسكر أو حكمهما معاً!
ومع ذلك ليس لنا سوى أن نبارك لأنفسنا، هذه الهمة التى أبداها شعبنا المصرى العظيم فى الخروج من نفق العتمة السياسية إلى فضاءات البحث عن الاستقرار الإيجابى الساعى إلى تأسيس دولة مدنية عصرية وجميلة، من دون أن ننسى أن نتذكر شهداء الثورة بكل إجلال وإعزاز، فلولا دماؤهم الغالية ما كان لنا أن ننعم بحرية الاختيار أمام صناديق الانتخاب على الرغم من المتاهة التى اعترت العملية كلها!
مبروك أيها الشعب المصرى العظيم.