مخطئ من يقصر نجاح جماعة الإخوان المسلمين وحزب النور فى المرحلة الأولى من الانتخابات، على أنهما يستخدمان ورقة الدين فى الدعاية الانتخابية، وأنهما يستثمران حالة الشحن الدينى فى الأوساط الفقيرة، والأوساط التى تتفشى فيها الأمية السياسية.
منذ بدء الحديث عن الانتخابات بعد ثورة 25 يناير، وكل التوقعات تذهب إلى أن قوى الإسلام السياسى ستحقق الأغلبية، وتمركز الخلاف حول النسبة التى سيحصل عليها، واللافت أن التقديرات كانت تتركز على جماعة الإخوان المسلمين، أكثر مما كانت تتركز على حزب النور الذى حقق مفاجآت كبيرة فى نتائجه.
مع بدء الموجة الثانية لثورة 25 يناير بنزول الآلاف إلى ميدان التحرير قبل الانتخابات بأيام قليلة، قلت فى هذه المساحة إن الإخوان لم ينزلوا إلى الميدان حتى لا يصرفهم أى شىء عن استكمال دعايتهم للانتخابات، وإنهم مارسوا الدعاية بحرفية كبيرة، فهى لم تقتصر على اليافطات والمؤتمرات، بل امتدت إلى اللف على البيوت، والتسلح بإجابات عن أسئلة، توقعوا أنها ستوجه إليهم حول أسباب عدم مشاركتهم فى اعتصامات التحرير، وقلت أيضا إنه إذا كان كل فرد فى كتلتهم التقليدية يذهب تلقائيا إلى لجنته الانتخابية، فإنه فى هذه الانتخابات ملزم بآخرين يأتى بهم.
لم يقتصر النجاح على الاحتراف فى الإدارة الانتخابية، والذى يبلغ ذروته يوم الانتخاب نفسه، وإنما هو يأتى تتويجا لجهد متواصل فى مجالات متنوعة مثل تأسيس وتشييد مشروعات اجتماعية ذات طابع خيرى، وعمل مشروعات اقتصادية تحتوى على عمالة، بالإضافة إلى التغلغل فى إدارات الجمعيات التى تهتم بالتكافل الاجتماعى، وجمعيات الحج، والمستوصفات أو المراكز الطبية التى تستقبل المرضى بأسعار رمزية، وهناك أشكال أخرى فى الأنشطة الاجتماعية، وإذا كانت جميعها ترمى إلى تعظيم شأن الجماعة، فإنها ترمى إلى تربية كوادر تتعمق فى التواصل مع الجماهير بالدرجة التى تؤمن نجاحهم فى أى انتخابات يدخلونها، ويقودنى كل ذلك إلى القول بأن نجاح الإخوان فى الانتخابات، لا يأتى فقط من باب استثمار الدين فى الدعاية، فإذا كان هذا صحيحا فسيعنى أنه بمقدور أى خطيب مسجد أن ينجح فى الانتخابات لمجرد أنه يصعد إلى المنبر.
نجاح الإخوان فى الانتخابات، يقوم على حزمة من الأسباب، تؤكد جميعها أنهم يبذلون جهدا لا تبذله الأحزاب الأخرى، وبالتالى هم حصدوا ما زرعوا، ولو أبدعت هذه الأحزاب فى اختراع وسائل مماثلة فسيقف الناس وراءها حتما.