من السذاجة أن تسأل غريمك كيف فاز.. ومن الغباء أن تعاتبه على قوته وانتصاره، الحكمة الوحيدة المتوافرة فى السوق لأمثالى من البؤساء المهزومين أن نسأل أنفسنا: لماذا «اتوكسنا»؟ وأن يأخذ كل منا مخه وأفكاره ونظرياته السياسية ويقعد بها على جنب ويعاتبها على ضعفها وقلة حيلتها وتخاذلها عن حماية أحلامه ومستقبل عياله فى المعركة الانتخابية، ومشكلة أمثالى من الليبراليين والعلمانيين والمتحدثين باسم المدنية أنهم تعاملوا مع المحتشدين خلف التيارات الدينية على أنهم جهلة.. فكان من الطبيعى أن يدخل عليهم الشارع دخلة رجل واحد ويقولوا: «لا دا انتم اللى كفرة».. وبين تلك النظرة الفوقية وتلك النظرة الدونية ضاعت مدنية الدولة. والدولة المدنية على عكس ما يظن جمهور الناخبين أكثر النظم احتراما لجلال وقدسية الدين، فهى لا تتحمل عليه الدخول فى فساد السياسة ونجاسة المصالح.. الدولة المدنية هى حلم شيخنا الجليل (المتفق عليه من الأغلبية) متولى الشعراوى حينما قال: «أتمنى أن يصل الدين إلى أهل السياسة ولا يصل أهل الدين إلى السياسة»، لأن من المنطقى أن تدعو السياسيين لطهارة الدين، وألا تدعو رجال الدين لنجاسة السياسة.. ولأن رجل الدين حينما يصبح صاحب قرار سياسى فسوف يختلط الأمر على العامة وينقسمون، فهل هذا القرار لصالح الدين أم لصالح السياسيين؟ وهل تخدم السياسة الدعوة الدينية أم أن الدين «جل شأنه» أصبح يخدم هؤلاء الساسة ومصالحهم بأشكالها المختلفة.. كل أمثالى من أحباب الدولة المدنية يعرفون ذلك ولكننا لم نقف على بابها ونتمسح بأسوارها مثل أحباب السيدة، هم نجحوا ونحن فشلنا رغم أن التمسح والاحتشاد على الأضرحة والقبور حرام، بينما تعليم الناس وتوعيتهم هو أصل الإسلام فكان أول الوحى «اقرأ» لكننا لم نساعدهم على القراءة، وبخلنا عليهم بشرح معنى «السياسة»، وكيف لا يجتمع علم السياسة مع علوم الدين لأن السياسة سلطة تنفيذية، بينما الدين سلطة رقابية وإشرافية، فلا يصح الجمع بينهما حتى لا تتحول الخلافات السياسية «المنفعية الدنيئة» إلى معارك عقائدية ودينية.. المصيبة أننا كنا نعرف كل ذلك ولم نقل للناس أو نفهمهم.. ظننا أنها ثقافة الصفوة وتكبرنا على الغلابة والأغلبية حتى صارت ثقافة منقرضة.. «اتفشخرنا» وابتعدنا عن الناس الحقيقيين وتقوقعنا داخل أفكارنا، وتجمعنا كالنعاج فى مجموعات صغيرة تبيت لتصحو على أحلامها وألف جزار ينتظر لحمها.
كنا مثل الخرفان التى تصفف فراءها وتتفنن فيه، فهذا ليبرالى وهذا علمانى وهذا اشتراكى يسارى وهذا انفتاحى انكشارى، وفى النهاية «حلقولنا» وتركونا قرع عرايا بلا أى حصانة برلمانية أو كسوة شتوية،فلقد اكتفى كل منا بالجلوس فى برجه العاجى كفيلسوف الغبرة من تحته وقف «البواب والسايس والميكانيكى والبقال، إلخ..»، هم يتساءلون: هو الباشا عبقرى ولا مجنون؟ فذهبوا فى النهاية لمن عرفوهم.. لمن علموهم.. لمن تكلموا معهم وقدروهم وأعطوهم بعض الوقت والكثير من الأفكار ولو خادعة أو فاسدة، ومهما صرخنا الآن عليهم فلن يلتفتوا أو يسمعونا، فبعد نتائج الانتخابات الأخيرة تأكدوا باليقين أننا لسنا عباقرة بل مجموعة مجاذيب يتكلمون مع أنفسهم وينظرون للناس فى سخط وقرف وأطفال الشارع تجرى خلفنا وتنادى: «العبيط اهه، العبيط اهه».. العبرة الأخيرة التى يمكن أن نخرج بها من هذه المسخرة التى تعرضنا لها أن نكافح لتخرج أفكارنا إلى النور لتصل، ولو بشكل شخصى لكل من حولنا.. لن ننجح فى نشر أفكارنا ونحن نقف خلف حبل الغسيل، يجب أن ننزل من «البلكونة» ونتودد ونتحاور ونعلم ونتناقش مع كل من يصادفنا لعلهم يسترونا فى الانتخابات القادمة.