خلال شهور وجدنا أنفسنا أمام حالة تزاحم من الأحزاب الجديدة، ليبرالية ويسارية وذات مرجعيات دينية، أكثر من نوع وشكل ولون دون أن تتوفر الفرصة للتفرقة بين الأحزاب أو البرامج، فضلا عن حوالى ثلاثين حزبا قديما كان من الصعب على المواطن تمييز خمسة منها، وهى أحزاب اختفت كأنها لم تكن.
ومثلما انقرضت الديناصورات لأنها عجزت عن التكيف مع التطورات المناخية، فإن الأحزاب والتيارات التى تعانى من العجز عن مجاراة الواقع يتوقع أن تنقرض لتظهر مكانها أحزاب جديدة تناسب الواقع.
الأحزاب المختلفة من اليسار واليمين عجزت خلال سنوات عن مواجهة نظام مبارك واكتفت بالعيش ضمن حضانات سياسية جعلتها غير قادرة على طرح مبادرات أو الوصول للمواطنين والشارع، حزب التجمع كان فى بداية حكم مبارك حزبا قويا يواجه حربا ظل خلالها قويا، ومع الوقت دخل فى خلافات وأطاح بقيادات شابة واكتفى بصراع المقرات حتى تراجع وتقلص إلى مجرد صحيفة، أما حزب العمل فقد بدا فى الثمانينيات كأحد أقوى الأحزاب، لكنه انقسم جزأين، نصف تحالف مع الإخوان ونصف خرج منشقا، ومن يومها لم تقم له قيامة ومازال موزعا بين خمس زعامات أو أكثر، كل منها يتمسك برأيه بينما الحزب نفسه بلا وجود.
وحتى حزب الوفد الذى بدأ قويا لكنه استند إلى تراث سعد زغلول ومصطفى النحاس واختصر كل معاركه مع ثورة يوليو، ومن الثمانينيات إلى اليوم اختفت ملامح الحزب فلا هو ليبرالى ولا غيره، واكتفى بالماضى، واليوم يقدم نفسه فى الانتخابات على أنه «مستقبل له تاريخ»، واكتفى بالماضى لمواجهة المستقبل، بينما هو عاجز عن مواجهة الحاضر الذى تغير كثيرا ولم يعد هو نفسه قبل تسعين عاما.
أما الأحزاب الجديدة التى خرجت بعد يناير، فهى الأخرى يصعب تمييز بعضها من بعض، فقط هى أسماء ولافتات، تتشابه برامجها واتجاهاتها، لا فرق بين حزب ليبرالى وآخر، أو ذى مرجعية دينية وزميله، كالنور والأصالة، وحتى حزب الحرية والعدالة، الذى يضم خبرة طويلة، فهى خبرة جماعة الإخوان، ولا يزال التمييز بين الجماعة والحزب غير ممكن.
حالة من الزحام الحزبى انعكست فى الانتخابات فى صورة تزاحم على أشخاص وحشود وليس على برامج واختيارات.
هناك توقع بأن تتحول الخريطة الحالية للأحزاب، بحيث تحدث اندماجات أو تفكك لبعض الكيانات الموجودة ليعاد تشكيلها من جديد، على أسس سياسية وليس فقط من أجل الانتخابات، وهو تحد حقيقى لأنه سوف يتطلب عملا سياسيا وليس فقط إعلانات حزبية أو تليفزيونية، فلا الذى فاز كان لبرنامجه، ولا الذى خسر.
لقد ماتت السياسة طوال عقود ومالم تتشكل خرائط سياسية واضحة فسوف تنقرض السياسة مرة أخرى لتحل مكانها لافتات لا تعبر عن الواقع، لأنها تعمل بالنظام القديم.