هكذا هتفت الإعلامية هالة سرحان فى برنامجها السبت الماضى، وهى تجلس على أرضية الاستوديو بين أكوام بطاقات الانتخاب البرلمانى «النزيه» فى مرحلته الأولى. بطاقات مُتسرِّبة، أقصد مُسرَّبة، بما أن فاعلاً فَعل! وقفت نبرةُ سرحان على الحدّ الفاصل بين نقيضين. الشِّقُّ المهنىُّ فى الإعلامية، حاول أن يجعل نبرتها هادئةً كما تحتّم أصولُ مهنة الإعلام التى تُحايد وتُخفى وجهة النظر، لكى تستطلع آراء الضيوف والجمهور. أما الشقُّ الإنسانىُّ فيها فراح، رغم المجاهَدة، ينتزع الغضب من داخلها كمواطنة مصرية حانقة على الاستخفاف الذى «مازال» يُعامل به المواطنُ المصرىّ، والامتهان الذى «لا يزال» يُمارس ضد صوته!! بعد يناير؟! معقول؟! ففيمَ كانت الثورة إذن؟ وفيمَ ذهب دمُ الشهداء؟!
«أصواتُ المصريين فى الشارع»، قالتها بهدوء ظاهرىّ احترامًا للمهنية، لكنها لم تستطع كبح الثورة التى كانت تلتقط بها من الأرض البطاقات المختومة والمسودة بآراء المصريين! قالتها بهدوء كأنما تعرضُ حادثة عادية. فهل هى حادثة عادية على الواقع المصرى؟ هل يُمتهَن صوتُ المواطن فى مصر؟ إجابة السؤال لا تتمُّ خارج إطار «الزمن»، كما يعلّمنا آينشتين الذى ربط المكان بالزمان لكى تكتمل الحقيقة. المكان هو: مصر، فماذا عن الزمان؟ هنا نحصل على إجابتين: 1 - «قبل 25 يناير: نعم كان صوتُ المصرىُّ يُمتَهن، بل لم يكن له صوتٌ على الإطلاق.» 2 - بعد 25 يناير: مستحيلٌ أن يُمتَهن صوتُ المواطن المصرىّ وإلا فلا ثورة قامت، ولا شهداء سقطوا، ولا عيون فُقِئَت، هنا نعرف سرَّ غضب هالة سرحان الخبىء، وهى ترفعُ صوتَها للجنة العليا للانتخابات أن أغيثوا «عُرس الديمقراطية» الذى يُغتال أمام مرأى العالم ومسمعه، لو أضفنا لما سبق ما رأيناه جميعًا من انتهاكات تمت أمام صناديق الانتخاب من حثّ المواطنين على انتخاب فصيل بعينه لكى يرضى اللهُ، وعن الدعاية التى لم تتوقف خلال يومى الصمت: السبت والأحد، لعلمنا أننا بعدُ لم نتعلم معنى الحرية، ولا العدالة، ولا الديمقراطية!
د. يسرى حمّاد، المتحدث السلفى، وأحد ضيوف صالون هالة سرحان، قال إن دراسةً تؤكد أن جرائم السرقة بالسعودية هى الأقل فى العالم بفضل تطبيق حدّ السرقة، مطالبًا بالمثل فى مصر وبعيدًا عن البون الشاسع بين طبيعة المجتمع المصرىّ والسعودى، من حيث معدل الدخل هنا وهناك، إلا أنه من المعلوم أن اليابان هى الأقل بين دول العالم فى جرائم السرقة، لأن الشعب يعمل، وليس من عاطلين يبحثون عن رزقهم خارج القانون لكن السؤال يبقى: هل سمعنا أن حدَّ السرقة طُبِّق على سعودى؟ الشاهد أننا لم نر سارقًا بُترت يده إلا من بين البنجاليين والهنود من فقراء العمال فى السعودية! فهل تلك إشارة إلى «أمانة» المواطن السعودىّ، بسبب إسلامه، أم لانتعاش مستواه «المادى» لأنه سعودى؟ وماذا عن معدل العلاقات غير الشرعية، والمِثلية، فى دول تقيم حدَّ الرجم والجلد على الزانى والزانية؟ نحتاج دراسة حقيقية «نزيهة»، تدلنا على ذلك لكى نطمئن على مستقبل الفضيلة فى مصر، رغم يقينى أن الفضيلة ركنٌ ركين من تركيبة المصرىّ بالفطرة والطبيعة، وليس خوفًا من الحد، والحمد لله كلُّ فضيلة تنبع من خوفٍ، يا يُعوَّل عليها يا دكتور! ثم رفض د. يسرى أن يتولى الرئاسةَ مسيحىٌّ! مستشهدًا بأمريكا التى نادرًا ما تُولّى كاثوليكيّا الحكم! وأُحيله لدولة عريقة مثل الهند، توّلت رئاستَها امرأةٌ، وتولّاها مسلمٌ على أغلبية هندوسية. هل من العسير جدّا أن نفهم المواطَنة كما فهمها سلفُنا الصالح عام 1919 حين هتفوا: «الدين لله والوطن للجميع»؟ ثم يقول إنه كمسلم «حاكم» سوف «يُحسِن» إلى الأقباط، و«يحميهم»، و«يسمح» لهم بممارسة شعائرهم! عجبًا! كأنما «سيتفضل» عليهم تفضُّل القوىّ على الضعيف! ولم ترُق لى النبرة الاستعلائية فى كلامه، مثلما لم ترق لهالة سرحان التى قالت له: «دول أصحاب بلد يا دكتور» وهنا أسأله: تحميهم ممّن يا دكتور؟ هل هناك «عدوّ خارجىّ يتربّص بهم، ويدخل فى غفلة منّا يُفجّر كنائسهم ويقتل مُصلّيهم يوم عيدهم، ويدهس أبناءهم بالمدرعات؟» ممن ستحميهم أيها المسلم؟! حمايتهم ببساطة هى كفّ أيدى المتطرفين منّا؟ يحميهم تطبيقُ القانون، كما قال د. عمار على حسن لماذا يظنّ مواطنٌ «متعال» أنَّ له أنْ «يُحسن» إلى مواطن آخر و«يحميه»، بينما المفروض أن كليهما مَحمىٌّ بالقانون، وقبل القانون كلاهما مَحمىٌّ بثقافة «احترام الآخر»، تلك التى نسيناها مع الزمن؟ هكذا ينسى المتطرفون الاستعلائيون دائمًا أن مسيحيى مصر هم أصحاب البلد الأصليون قبل دخول العرب، ولهذا نسميهم «أقباطًا»، أى مصريين.. أيها المتشددون حنانيكم، وأفيقوا من غِيّكم الذى فيه تماديتم واعلموا أننا جميعًا سواءٌ أمام الله إلا بأعمالنا، وأن أحدًا منّا ليس فوق القانون العادل الذى سوف يُطبّق فى بلادى بحسم عمّا قريب، وإن طال أمد تجميده عسفًا على يد حكّام ظالمين، دفعنا الكثيرَ حتى أسقطناهم.